الحق في التظاهر.. حق إنساني ودستوري يمكن أن يسلبه القانون!

يكفل دستور سوريا لعام 2012، للسوريين/ ات، حق التظاهر والإضراب، عبر المادة 44 منه، والتي تنص على: "للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً، والإضراب عن العمل في إطار مبادئ الدستور، وينظم القانون ممارسة هذه الحقوق".

لكل إنسانٍ وفق منظومة حقوق الإنسان الحق في حرية التجمع السلمي. الذي يشمل الحقَّ في عقد الاجتماعات والاعتصامات والإضرابات والتجمعات والفعاليات والاحتجاجات. سواءً عبر الإنترنت أو في الحياة الواقعية، وهذا الحق بمثابة أداةٍ تيسر ممارسة العديد من الحقوق الأخرى التي يكفلها القانون الدولي. ويرتبط ارتباطاً وثيقاً، بها وتشكل مجتمعةً أساس المشاركة في الاحتجاجات السلمية. ولا سيما الحقَ في حرية التعبير، والحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة.

التظاهر اصطلاحاً

إذا ما بحثنا عن معنى كلمة التظاهر، لغوياً واصطلاحياً، سنجد أن الكلمة لغوياً مأخوذة من الظهير وتعني العون. والمُظاهر لغوياً يعني المعاون. أما اصطلاحاً، فكلمة مظاهرة تعني: تجمع أو سير عددٍ من الأشخاص بطريقةٍ سلميةٍ في مكانٍ أو طريقٍ عام. بقصد التعبير عن رأيٍّ أو الاحتجاج أو المطالبة بتنفيذ مطالب معينة ومحددة.

من خلال المعنى السابق لغوياً واصطلاحياً، يتبين لنا أن السلمية ركنٌ أساسيٌّ للمظاهرة. فإن سقطت السلمية سقط الاسم والمعنى، ولن تكون مظاهرة. ويتحول الاسم تلقائياً، من مظاهرةٍ لأفراد أو جماعات، إلى أعمالٍ عنفيةٍ خارج القانون.

العصيان المدني

علينا أيضاً أن نبحث في معنى العصيان المدني فهو: رفض الخضوع لقانونٍ أو لائحةٍ أو سلطةٍ ما. وبداية هذا المصطلح يعود لسياسي أمريكي يدعى هنري دافيد ثورو. الذي نشر المصطلح في بحثه عام 1849م، أعقاب رفض دفع الضريبة المخصصة لتمويل الحرب ضد المكسيك. ولكن لا يوجد تعريفٌ موحّدٌ للعصيان المدني في العالم حتى الآن. واختلفت تطبيقاته في التاريخ من شعبٍ لآخر؛ ولكن المتعارف عليه حول معنى العصيان المدني أنه رفضٌ لقانونٍ ظالمٍ. وبالتالي يقوم به الشعب مجتمعاً، أو تقوم به الأغلبية العامة من الشعب. من خلال تطبيق عددٍ من الأمور مثل: عدم تنفيذ القانون في إطارٍ سلميٍّ. وأيضاً قد يتضمن العصيان المدني إضراباً عن العمل، وتتخلله كذلك المظاهرات. فيكون له تأثيره المدوي داخلياً، ويرغم السلطة في نهاية الأمر على الاستجابة لطلبات الشعب، ومن ثم وقف أو تغيير القانون.

مبادئ عامة

وللتظاهر العديد من المبادئ المهمة لتحقيقه بشكله المثالي:

  • الالتزام بالسلمية حتى وإن وصل عنف النظام إلى القتل.
  • ألّا يصطدم أبناء الوطن مع بعضهم البعض، أياً كانت الأسباب، وأياً كانت معتقداتهم أو أفكارهم.
  • ألّا يكره أبناء الوطن السلطة الحاكمة، وأن يبادروا كل من يكرههم بالحب.
  • ألّا تتسبب المظاهرات في أي أعمال تخريبية.
  • ألّا يرفع المواطنون السلاح مطلقاً أثناء المواجهات مع السلطة.

وبذلك يكون حق التظاهر من الحقوق المنصوص والمتفق عليها. ويجب تأمين حرية التعبير والرأي لجميع المواطنين/ات، إن تم تحقيق الشروط والمبادئ الأساسية لقيام التظاهر السلمي.

التظاهر والدستور

يكفل دستور سوريا لعام 2012، للسوريين/ ات، حق التظاهر والإضراب، عبر المادة 44 منه، والتي تنص على: “للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً، والإضراب عن العمل في إطار مبادئ الدستور، وينظم القانون ممارسة هذه الحقوق”.

التظاهر في القانون

وفي عام 2011، جاء “تنظيم حق التظاهر السلمي للمواطنين” عبر المرسوم التشريعي رقم 54، الذي عرف المظاهرة بأنها: “تجمع عدد من الأشخاص أو سيرهم بطريقة سلمية في مكان أو طريق عام أو بالقرب منهما بقصد التعبير عن رأي، أو الإعلان عن مطلب، أو الاحتجاج على أمرٍ، أو التأكيد على تنفيذ مطالب معينة”. ولكنه بالمقابل ربط هذا الحق بموافقة السلطة التنفيذية، وحمّل الداعين للتظاهر مسؤولياتٍ أكبر من قدراتهم، ما يمكننا اعتباره حرماناً غير مباشرٍ من الحق.

كما نصت الفقرة أ من المادة 2 من المرسوم أنه: يهدف إلى تنظيم حق التظاهر السلمي للمواطنين بوصفه حقاً من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلها دستور الجمهورية العربية السورية.

وجاء في المادة 3 أنه: “يحق للمواطنين والأحزاب السياسية والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع الأهلي المرخصة أصولاً تنظيم المظاهرات بما يتفق مع مبادئ الدستور، وأحكام القوانين النافذة في الجمهورية العربية السورية، وبما لا يؤدي إلى عرقلة سير المرافق العامة بانتظامٍ واضطرادٍ”.

وبينت المادة 5 أسس ترخيص المظاهرة وجاء بها أنه:

يتعين على من يرغب بتنظيم مظاهرة:

  • تشكيل لجنة تقدم طلباً إلى الوزارة، يتضمن تاريخ وتوقيت بدء المظاهرة، ومكان تجمعها وانطلاقها وخط سيرها، وانتهائها وأهدافها وأسبابها والشعارات التي سترفع خلالها. وذلك قبل الموعد المحدد للمظاهرة بخمسة أيامٍ على الأقل.
  • تقديم تعهدٍ موثقٍ لدى الكاتب بالعدل، يتعهد بموجبه بتحمل المسؤولية عن كافة الأضرار التي قد يلحقها المتظاهرون بالأموال والممتلكات العامة أو الخاصة.
  • يتعين على الوزارة أن ترد كتابةً على الطلب خلال أسبوعٍ من تاريخ استلامه. وفي حال عدم الرد يعد ذلك موافقةً على الترخيص بتنظيم المظاهرة، أما إذا كان القرار بالرفض فينبغي أن يكون معللاً.
  • يحق للجنة الداعية للمظاهرة أن تطعن بالقرار الصادر بالرفض أمام محكمة القضاء الإداري التي يتعين عليها أن تبت في هذا الطعن خلال مدة أسبوع بقرار مبرم.

صلاحيات لفض التظاهر

لكن المرسوم أعطى صلاحياتٍ لوزارة الداخلية لفض المظاهرات بحالاتٍ محددةٍ لكنها حمالة أوجه. فحسب ما جاء في المادة 8، أنه يحق للوزارة أن تطلب من اللجنة إنهاء المظاهرة، وإذا تعذر ذلك فلها أن تقوم بفضها في الأحوال الآتية:

  • إذا تجاوزت المظاهرة حدود الترخيص الممنوح لها.
  • إذا وقعت أعمال شغب أو أفعالاً تشكل جرائماً أو ممارساتٍ من شأنها الإخلال بالنظام العام أو إعاقة السلطة عن القيام بواجبها.

وأكد المرسوم على منع حمل السلاح في المظاهرات، حيث جاء في المادة 9 أنه:

  • لا يجوز لأي شخصٍ أن يشترك في مظاهرةٍ وهو يحمل سلاحاً ولو كان مرخصاً له بحمله.
  • يعد سلاحاً في معرض تطبيق أحكام هذه المرسوم التشريعي كل أداةٍ أو آلةٍ قاطعة أو ثاقبة أو راضة، وكل أداةٍ خطرة على السلامة العامة.

ولفت المرسوم بالمادة 10 أنه: “تعد التجمعات التي تنظم خلافاً لأحكام هذا المرسوم التشريعي من قبيل تظاهرات وتجمعات الشغب المنصوص عليها في المواد 335-336-337-338-339 من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949“.

معيقات قانونية

جاء في المادة 335 من قانون العقوبات السوري:

“من كان في اجتماعٍ ليس له طابع الاجتماع الخاص سواءً من حيث غايته أو غرضه أو عدد المدعوين إليه أو الذين يتألف منهم أو من مكان انعقاده أو كان في مكان عام أو بمحل مباح للجمهور أو معرض لأنظاره فجهر بصياح أو أناشيد الشغب أو أبرز شارة من الشارات في حالات يضطرب معها الأمن العام أو أقدم على أية تظاهرة شغب أخرى يعاقب بالحبس من شهرٍ إلى سنة وبالغرامة مائة ليرة.

والمادة 336 منه أوضحت أن الحشد أو الموكب المتجمع في مكان مباح للجمهور،يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة. في حال كان يتألف من ثلاثة أشخاص فأكثر، بقصد اقتراف جناية أو جنحة وكان أحدهم على الأقل مسلحاً. أو إذا كانوا سبعة أشخاصٍ على الأقل بقصد الاحتجاج على قرارٍ أو تدبيرٍ اتخذتهما السلطات العامة بقصد الضغط عليها. وإذا زاد عدد الأشخاص على العشرين وظهروا بمظهر من شأنه أن يعكر الطمأنينة العامة .

والمادة 337 أعطت السلطة للضابطة العدلية بإنذار الجمع بالتفرق، وأعفت من العقوبة من ينصرف قبل هذا الإنذار أو يمتثل له في الحال دون استخدام السلاح أو أي فعل آخر يشكل جنحة حسب القانون.

والمادة 338 عاقبت بالحبس من شهرين إلى سنتين المتجمعين الذين لا يتفرقون بعد إنذار الضابطة العدلية. وبالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات فضلاً عن أية عقوبة أشد قد يستحقها بحق من استعمل السلاح.

والمادة 339 قضت بالمنع من الحقوق المدنية وبمنع الإقامة وبالطرد من البلاد وفاقاً للمواد الـ 65 و82 و88 في الجنح المنصوص عليها في الفصول 2 إلى 5 من هذا الباب.

خلاصة

يشار إلى أن التظاهر والعصيان المدني أحد أبرز آليات التعبير الحر عن مواقف المجتمعات. وقد تحدث عبر استجابةٍ فطريةٍ من قبل المجتمع، أو تكون مخططاً لها عبر قوى سياسية أو مدنية. لكن غالباً ما تنتج قياداتها إن كانت فطرية بشرط امتلاكها الوعي والرؤية اللازمةة. وبالتالي الأمر يقتضي أن تقابل بمعالجة الأخطاء التي دفعت المجتمع إلى الانفجار، الذي قد ينزلق في أتون العنف إذا ما قوبل بالعنف من قبل السلطة، أو تم إهماله وعدم الاستجابة إلى معالجة أسبابه. أو محاولة تحميل الشارع مسؤولية تقديم حلولٍ أو تحديد المطالب وأولوية التحقيق. حيث غالباً ما يتم استخدام هذه الأساليب للمراوغة وإجهاض الحراك المجتمعي.

رواد بلان