الرأي العام وصنع القرار

كل المجتمع في السويداء في هذه المرحلة صانعون للقرار ويتشاركون مع اللجنة القانونية العليا في ذلك.. كما أنّ الرأي العام في السويداء يضغط على صُنع القرار من خلال الشارع الذي يشهد مظاهرةً شعبيةً كل أسبوع، تُطالب بإعادة المخطوفين والمخطوفات وبحق تقرير المصير. إضافةً إلى المطالبة بإعادة المهجرين إلى قراهم بشرط الانسحاب الكامل وغير المشروط للقوات الأمنية التابعة للحكومة.

الرأي العام: هو مجموعة من الآراء حول موضوع أو شخص أو حدث، والتي تؤثر بشكل كبير على القرارات السياسية والتغيرات المجتمعية. وتكمن أهمية الرأي العام في كونه يُشير إلى تفضيلات الجمهور وسلوكياته الانتخابية المحتملة لصانعي السياسات. ويتوقع أن يكون هذا التأثير أكبر في ظل مؤسسات ديمقراطية أكثر استقراراً.

كما أنّ الرأي العام يعكس مواقف الأفراد المتنوعة تجاه القضايا السياسية، وقادة الحكومة، والمؤسسات المختلفة. ويسهم هذا المنظور الجماعي في تشكيل النقاشات السياسية وتوجيه القرارات السياسية، والتأثير على كيفية استجابة صناع القرار لمطالب الجمهور.

الرأي العام وصنع القرار السياسي:

يعد الرأي العام من أحد العوامل المهمة المشاركة في عملية صنع القرار. فمن المعروف أن تقنين العلاقة بين الرأي العام وصانعي القرار تؤدي لخلق التفاعل الطبيعي بين اهتمامات وقضايا الرأي العام، وقرارات السلطة السياسية. الأمر الذي يضمن الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي من ناحية، وإحداث التغيرات المجتمعية بطريقة سلمية من ناحية أخرى. فيما يُعدّ الرأي العام من أهم العوامل التي يضعها صانع القرار في حسبانه مهما كان شكل النظام السياسي الذي يسيطر على مقاليد الحكم عند رسم السياسات العامة.

وفي النظم الديمقراطية يهتم صانعو القرار بالرأي العام من منظور المشاركة في صنع القرار. ومثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أنّ للرأي العام تأثير على السياسات فيها، ويظهر ذلك بوضوح خلال فترة الانتخابات. حيث يأخذ الرؤساء استطلاعات الرأي العام في الاعتبار عند اتخاذ القرارات، خاصةً إذا عكس الرأي العام نسبة تأييد عالية. ويمكن للرئيس الذي يتمتع بتفويض انتخابي استخدام نسبة التأييد العامة هذه لدفع السياسات عبر الكونغرس.

أما في النظم الديكتاتورية فيهتم صانعو القرار بالرأي العام إما للسيطرة عليه، أو توجيهه، أو حتى قمعه. ومثال على ذلك سوريا، إذ عمل النظام السوري السابق على السيطرة على الرأي العام لفترةٍ طويلة من الزمن. من خلال نظامٍ عسكريٍ ديكتاتوريٍ سيطر فيه على البلاد. وعمل على قمع الرأي العام بشتى وسائل الترهيب. وخلال الـ الأربعة عشر عاماً الأخيرة قام بقمع المظاهرات، ووجّه الرأي العام من خلال “مسيرات تأييد” مضادة للمظاهرات. وحاول كسب التأييد الشعبي لمواجهة المظاهرات وتثبيت سيطرته وحكمه.

كما تحاول السلطة المؤقتة حالياً السيطرة على الرأي العام عبر مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي، والمنابر الدينية، مركّزةً على حاضنتها الشعبية. الأمر التي تسبب بشروخٍ مجتمعية عميقة، وصلت إلى حدوث انفجارات عنفية تسببت بسقوط آلاف الضحايا.

دور الرأي العام في حل وإدارة النزاعات:

إنّ الرأي العام العالمي الغربي يُعتبر من أهم الأسباب التي أجبرت الحكومات الغربية على تغيير مواقفها تجاه الكثير من القضايا الدولية، مثل الصراع في غزة. حيث أنّ ضغط الرأي العام أدّى إلى تغيير الحكومات الغربية مواقفها من داعمين للحرب في غزة، إلى مطالبين بإيقافها. بسبب تواصل الرفض الشعبي وتصاعد المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، والتي تكثفت في مواقف البرلمانات. مشكلةً جمعيها أدوات ضغط على الحكومات لتغير مواقفها. كما حدث في كل من بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا التي تعتبر أكبر حليف لإسرائيل.

وفي محافظة السويداء أجبر الرأي العام الشعبي الجامع والرافض للتعامل مع أي لجنة تحقيق تابعة للسلطة في دمشق بـ “مجازر تموز الأسود” التي وقعت بالمحافظة، إلى تدخلٍ دوليٍّ بجهد أميركي أردني أدى لإنتاج اتفاق “خارطة الطريق بشأن السويداء” (اتفاق عمّان). الذي نصّ في أحد بنوده على دخول لجنة تقصي الحقائق الدولية الخاصة بسوريا والمشكلة منذ العام 2011. فيما لو لم يكن هذا الرفض شعبياً حقيقياً، كان من الممكن لأي طرفٍ في السويداء أن يتنازل عن عدّة بنود.

إضافةً إلى أن المظاهرات والاحتجاجات المؤكدة على عودة المختطفين والمختطفات، وخروج القوات الحكومية من القرى التي تسيطر عليها إلى خارج الحدود الإدارية للسويداء، وعودة الأهالي إلى منازلهم، ورفض التنازل عن أي منها، كلها تعتبر من أهم أدوات الرأي العام للضغط على صُناع القرار.

ويضغط الشارع بالسويداء من خلال المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات على صُناع القرار باستمرارٍ، من أجل إكمال طلاب الشهادة الثانوية العامة امتحاناتهم التي انقطعت بسبب الأحداث الأخيرة. ما وضع الملف على طاولة المفاوضات، لمحاولة إيجاد حلول تخرج الملف من دائرة النزاع السياسي والأمني.

ومنذ فترة ليست بقصيرة ظهر “الحرس الوطني” في السويداء بعرض عسكري وهتاف اعتبره العديد “هتافاً طائفياً”، وأثارت الحادثة انتقادات وضغوط مجتمعية من قبل أهالي السويداء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعل “الحرس الوطني” يصدر بيان “اعتذار” في نفس اليوم.

أهم وسائل وأدوات الرأي العام:

  1. وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي: حيث أنّ الصحف والأخبار والمواقع الإلكترونية للرأي ووسائل الإعلام الاجتماعية والراديو والتلفزيون والبريد الإلكتروني وغيرها، مهمةٌ في إيصال الصوت والتعبير عن الرأي والتأكيد على المواقف والآراء.
  2. مجموعات المصالح: مجموعات المصالح والمنظمات غير الحكومية والجماعات الدينية والنقابات العمالية لتنمية تشكيل ونشر الرأي العام حول القضايا التي تهم جمهورهم، قد تكون معنيةً بالقضايا السياسية أو الاقتصادية أو الإيديولوجية. ويعمل معظمها من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
  3. قادة الرأي: يلعب قادة الرأي دوراً مؤثراً رئيسياً في تحديد القضايا الشعبية في التأثير على الآراء الفردية بشأنها. ويمكن للقادة السياسيين على وجه الخصوص تحويل مشكلة غير معروفة نسبياً إلى قضية وطنية إذا قرروا لفت الانتباه إليها في المنتصف.

ومن الأدوات الهامة أيضاً استطلاعات الرأي وبحوث الرأي والمسح وغيرها…الخ.

الرأي العام وصنع القرار في السويداء.. أثره وأدواته ووسائله التي يستخدمها

ترى الكاتبة والناشطة المدنية (أنجيل الشاعر) أنّ كل المجتمع في السويداء في هذه المرحلة صانعون للقرار ويتشاركون مع اللجنة القانونية العليا في ذلك. وأضافت أنّ الرأي العام في السويداء يضغط على صُنع القرار من خلال الشارع الذي يشهد مظاهرةً شعبيةً كل أسبوع. تُطالب بإعادة المخطوفين والمخطوفات وبحق تقرير المصير. إضافةً إلى المطالبة بإعادة المهجرين إلى قراهم بشرط الانسحاب الكامل وغير المشروط للقوات الأمنية التابعة للحكومة.

وتابعت، إنّ الآلية التي يضغط بها المجتمع الأهلي على أصحاب القرار الداخلي والخارجي، تؤدي إلى استجابة جيدة. ولولا الضغط في الشارعين المحلي والعالمي اللذين تبناهما أهالي السويداء لتوصيل صوتهم إلى العالم، لما دخلت لجنة تقصي الحقائق الدولية إلى السويداء، والتي تعتبر أهم منجز للمجتمع فيها. وأوضحت (أنجيل) أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً في التأثير. سواءً على مستوى معرفة الأحداث، أو على مستوى خطاب الكراهية بين الأطراف المتنازعة. أو على مستوى الاختلاف بالرأي، والذي يجب أن يكون موجوداً بالأساس. مشيرةً إلى أنّ “الأكثر تأثيراً هم المتضررون المباشرون من الاجتياح، ومن ثم منظمات المجتمع المدني واللجنة القانونية العليا والشيخ الهجري”.

بينما يرى الناشط المدني (خالد سلوم) أنّ الرأي العام يضغط بشكلٍ خجول ولكن لا توجد له نتيجة فعلية. ويذكر إنّ الوضع في السويداء معقدٌ حالياً، ولا يوجد رأيٌ عام متفق عليه بين الأغلبية ليكون مشتركاً. وبما أنّ سلطة الأمر الواقع الموجودة حالياً بالسويداء تمثل جناحاً عسكرياً وجناحاً دينياً، فمساحة التأثير ضيقة حسب تعبيره. مع الأخذ بعين الاعتبار المأساة التي حلّت على المجتمع -والخوف من تكرارها الذي يجعله غير قادرٍ على اتخاذ القرار-. كما لفتَ إلى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثيرها، ولكنها ليست دقيقة. لأن الكثيرين يستعملونها في حملات مضادة، حيث يتم استخدامها مثلاً من أجل تبرير أعمال غير شرعية.

ومن ناحيته يرى الصحفي (فهد كيوان) أنه بطبيعة الحال بعد سقوط النظام السابق أصبح الرأي العام أكثر تأثيراً، وارتفعت حرية الرأي وأصبح المواطن يصرّح ويشارك به. وبالنسبة للسويداء فالرأي العام له حدّ من التأثير، ولكنه غير مرتفع لظروف وأسباب كثيرة. حيث قال “نحن مازلنا جدداً على الحرية، ولم تتشكل عندنا بعد بشكل واضح”. كما أننا في حالة من غياب المجالس المدنية التي تستطيع الوقوف بوجه صانعي القرار. ويذكر فهد أنّ الضغط في السويداء حصراً يكون ضغطاً مجتمعياً عشائرياً من جهة، وضغطاً دينياً من جهة ثانية.

إضافةً إلى أنّه يوجد في السويداء رأي عام في “المضافات” أو من خلال المجتمع. وهو ما يمكن أن يؤثر ويضغط على صناعة القرار لحدّ كبير من ناحية القبول أو الرفض.

وحسب رأيه فإن الأدوات المجتمعية السابقة، والتجمعات المدنية ومنها التظاهر -الذي أصبح سمةً أساسية في السويداء- من أهم أدوات الرأي العام تأثيراً على إدارة النزاعات. خاصةً وأن الشعب السوري أصبحت لديه خبرة بالمظاهرات في آخر 15 سنة. وأهالي السويداء حصراً أصبحت خبرتهم فيها أكبر في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث أصبحت “الساحات جزءاً لا يتجزأ من هويتهم”.

خاتمة:

مازالت أدوار الرأي العام وأثره على السياسات في السويداء كما في سوريا، في طور التشكل. حيث تشكّل الفترة الانتقالية فرصةً لتحصيل مساحة من طاولة بناء السياسات وصنع القرار. عقب عقودٍ من الاستبداد السياسي، ومواجهة نوعٍ جديدٍ من الاستبداد الديني السياسي. حيث لايزال يعيش خطر خسارة المكتسبات الناتجة عن الفراغ المنتج جراء الواقع، في حال عدم تشكل قوى وآليات التعبير وترجمة إرادة المجتمع عبر مؤسساتٍ ديمقراطيةٍ.

 

نور الحجار