“الشتيمة في الدراما”.. هل يستحق الأمر منّا كل هذه النقاشات؟ 

إذا كان استخدام الشتيمة بالنسبة لصنّاع العمل هو نقل للواقع، فلماذا لم ينقلوا منه إلا الشتائم التي تتضمن إساءة للمرأة؟؟ ومع الدراما التلفزيونية يُفضّل أن نكون أكثر حذراً وانتقائية في طرح ما نريد. فللتلفزيون في مجتمعاتنا العربية خصوصيةٌ شديدةٌ ومكانةٌ كبيرة في وعي ووجدان المتلقي

كما كل شيء في هذا العالم، تطورت الشتيمة عبر الزمن وتغيرت أشكالها، والاعتبارات المحيطة بها. فسابقاً كنّا نخشى أن نتلفظ بكلمة بذيئة أمام من يكبرنا سنّاً، سواء كان من العائلة أو المقربين أو حتى الغرباء. وفي ذات المرحلة من الطفولة (إذا كنا نتحدث عن جيل التسعينات والثمانينات)، كانت الشتيمة تنحصر في تجمعات من ذات النوع الاجتماعي. إذ لا يجب أن يتفوه الشاب بشتيمة بحضور فتيات، والعكس صحيح. ويضاف إلى ذلك الرفض القاطع أساساً لأن تخرج شتيمة من فم فتاة، فهي “حصريةٌ للرجال”.

الممنوع بالأمس مسموح اليوم

لكن الأمور تتغير باستمرار، ولا يعني هذا أننا نقيس التطور بإزالة القيود عن الشتائم، ولكن وإذا تحدثت من جانب شخص، لم أعد أشعر بالغرابة عندما أسمع شتيمة من فتاة كما كان يحدث عندما كنت صغيراً، وجاء هذا من منطلق أنه يحق لمن يشاء أن يشتم وليس الأمر حكراً على الفتيان، وهذا ليس بيت القصيد.

ويمكن التوافق أن التعاطي مع الشتائم يختلف بحسب البيئة والمكان والظروف الاجتماعية وغيرها من المعايير. لكنها لا تزال عند الغالبية العظمى غير مستحبة، ولا يفضّل أحدٌ أن يسمع شخصاً يشتم في مكان عام وعلى مسمع الجميع. وذلك لأن مفردات الشتيمة تحمل معاني التحقير والإهانة. فإذا نظرنا إلى السياق التاريخي لتطور الشتيمة، فهي قد بدأت باللعنة، أي بطلب إحلال اللعنة من الآلهة على شخصٍ ما. ومن ثم تحولت إلى استخدام لفظ المفرزات البشرية والحيوانية القذرة، بغرض إهانة الطرف الآخر، وصولاً إلى أشكالها الحالية التي تستخدم في مفرداتها أعضاء جنسية ذكرية وأنثوية وأفعال جنسية مسيئة، وكل هذا يحمل فكرة سلبية وسيئة إذا وظّفت للإساءة والإهانة. 

إلا أنها عندما تبقى محصورة ضمن نطاقها الضيق، فلن تقيّم على أنها انحطاط أو قلة احترام أو إهانة، فلن تحكمَ أخلاقياً على صديقك/صديقتك، إذا شتمك/شتمتك في سهرة “الشلّة”، ولن تنزعج إذا كانت في إطار المزاح، ولن تشعر بانهيار منظومتك الأخلاقية إذا سمعت أشخاصاً يتبادلون شتائم في سوق شعبي أو في الشارع أو في أي مكان آخر على نطاق ضيق، لكن قد تشعر بشيء من الغرابة والإحراج إذا كنت تشاهد مسلسلاً على التلفاز برفقة عدة أشخاص من عائلتك وأقاربك، فبالتالي هل يجب أن نستنكر استخدام ألفاظ نابية في أعمال درامية تلفزيونية؟ أم علينا التأقلم معها طالما أنها تستخدم في الواقع ولا ضير في أن تنقلها الدراما التلفزيونية؟ 

الشتيمة في دراما رمضان 2023

بالاستناد إلى تجارب سورية، لم يسبق أن استخدمت الدراما التلفزيونية التي تعرض في “موسم رمضان” شتائم في نصوصها. وإن حدث فإن بعضها _والكوميدي تحديداً_ كان يلجأ لتشفير الشتيمة، كمثل “بقعة ضوء” و “ضيعة ضايعة” في بعض مشاهد حلقاتهما. أما بالنسبة للسينما فحتّى عندما كانت تُعرض بعض اللقطات من أفلام سينمائية سورية تحتوي على شتائم أو إيحاءات جنسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كانت تتعرض لانتقادات واسعة من خلال المعلّقين. كما في مشهد السجناء في فيلم “رد القضاء” لنجدت أنزور، والشتائم في فيلم “الحبل السري” لليث حجو. 

إلا أن موسم رمضان 2023 حمل معه حالةً جديدةً إلى حد ما، وهي ظهور الشتائم في مسلسل “الزند ذئب العاصي” من بطولة الممثل تيم حسن. وتكررت فيه الشتائم على لسان شخصية عاصي “الزند”، وشخصية “صالح” التي يجسّدها الممثل مجد فضة، وجميعها تتناول النساء تحديداً بعبارات مهينة.

هل شعبية النجم تبرر الخروج عن المألوف

شعبية الممثل تيم حسن وتفاعله المباشر مع جمهوره، من خلال مشاركة حتى منشورات النُكات التي تستخدم عباراتٍ من مسلسل الزند عبر حسابه الرسمي على فيسبوك. ساهمت في خلق حالةٍ من التنافس على صفحات عامة وخاصة، وحتى وسائل إعلامية في مدح تيم ومسلسله الجديد. ليقوم هو بمشاركة المنشور، ما أدى إلى إغراق وسائل التواصل الاجتماعي بالمنشورات التي تتحدث عن “عاصي الزند”، وجزء من تلك المنشورات كانت الشتائم.

الأسلوب الذي اتبعه تيم حسن والحالة التسويقية التي حدثت للمسلسل مع بداية عرضه، جعلت شريحةً واسعةً من الجمهور تتغاضى عن كل ما ظهر فيه من شتائم. معتبرين _بحسب معظم التعليقات_ أن استخدام الشتائم يحدث في الواقع، وبالتالي لا مشكلة من نقله إلى الشاشة. وهُنا يُطرح التساؤل: هل تُقبل الشتائم في الأعمال الدرامية التلفزيونية عندما تكون على لسان نجم جماهيري؟ وحتى إن كان تأثيره كبيراً على شريحة واسعة من الجمهور؟

الناشطة النسوية حنين أحمد، استنكرت بشدة استخدام شتائم مهينة للمرأة. واعتبرت في تدوينة عبر صفحتها على “فيسبوك”، أن المسلسل شهد تحولاً سلبياً. إذ كانت قد أثنت على حضور المرأة بطريقةٍ لائقة، من خلال دور الممثلة دانا مارديني. التي تجسّد شخصية فتاة قويّة ومتعلمة، كانت تساند والدها بنشاطات ثورية في زمن الاحتلال العثماني. بينما تعتبر حنين أن حضور الشتائم “الذكورية” بشكل مبالغ فيه أخذ المسلسل إلى منحى آخر. 

“إذا كان استخدام الشتيمة بالنسبة لصنّاع العمل هو نقل للواقع، فلماذا لم ينقلوا منه إلا الشتائم التي تتضمن إساءة للمرأة؟”. تساءلت أحمد في حديثها لـ “أرضية مشتركة”.

وأضافت: “أجريت بحثاُ وسألت العديد من الأشخاص حول استخدام الشتائم في الحقبة الزمنية التي يعالجها مسلسل الزند. واتضح لي أن العبارات المستخدمة لم تكن منتشرةً على نطاق واسع، وغالباً ما كانت محصورةً بين شبّان من فئات عمرية صغيرة”. 

وتؤكد حنين على أن الأعمال الدرامية لها تأثيرٌ كبيرٌ على الشارع بمختلف الشرائح العمرية. ولذا فإنه من الممكن والمهم أن يتجه النشاط النسوي نحو التأثير على صناع الدراما، لتمرير رسائل قد تساهم في مناصرة الأفكار والقيم النسوية.

الدراما السورية تحمّلت فوق طاقتها

في ردّها على سؤالنا إذا ما كانت الدراما مطالبةً بتغيير الواقع أو تحسينه، وليس فقط نقله كما هو. قالت الناشطة النسوية: “الدراما في سوريا تحمّلت أكثر من طاقتها، إذ باتت مطالبةً أن تحمل قيم ومشاريع تغيير وتأخذ على عاتقها زيادة الوعي في المجتمع. بينما في الواقع هذه ليست وظيفة الدراما التي تعتبر حالةً فنيةً يحق لصنّاعها تحييدها عن كل هذه المسؤوليات، وأن تكون مجرد محاكاة لواقع أو قصة ما”.

ويعود السبب في ذلك حسب حنين إلى: “افتقاد السوريين لوسائل التعبير عن آرائهم بالقضايا السياسية والاجتماعية، واختلافهم على السرديات الخاصة بتاريخهم. لذا فإن الدراما من منتصف التسعينيات وحتى عام 2011 كانت الطريقة الوحيدة للتعبير عن تلك القضايا”.

ويتفق الكاتب الدرامي مازن طه، مع فكرة الناشطة أحمد في أن الدراما تحمّلت على عاتقها أكثر مما ينبغي.

وفي حديث خاص لـ “أرضية مشتركة” أكد طه أن: “الدراما التلفزيونية تحمل على عاتقها أكثر مما يجب، في ظل الغياب التام لقنوات الثقافة أو أدوات التأثير على المجتمع”. 

الكاتب مازن طه الذي ألّف وأعدّ عشرات الأعمال التلفزيونية السورية. وأبرزها مساهماته في سلسلة “مرايا” من عام 1996 حتى 2005، ولاحقاً بقعة ضوء وغيرها. اعتبر أنه: “لا يمكن تقديم دراما معقّمة وبعيدة عن الواقع، فالدراما تعكس صورة عن المجتمع وفق آلياتها وقوانينها الخاصة. وهذه الصورة ربما تكون مواربة بعض الشيء أو ساطعة، بحيث تلقي الضوء على شرائح اجتماعية مختلفة تكون أكثر قرباً من الحقيقة”.

هل الضرورة الدرامية مبرر 

“إن استخدام الشتائم على لسان بعض الشخصيات حاجةٌ أو ضرورةٌ درامية لإضفاء صفة الواقعية على الشخصيات والحكاية”. مضيفاً: “شخصياً لا أعارض استخدام الشتيمة إذا كانت موظّفة في مكانها الصحيح وتخدم الحالة الدرامية للمشهد. ولكن ضد تكريس هذه الشتائم لا سيما إذا أتت على لسان نجم جماهيري كبير”.

واختتم مازن طه حديثه بالإشارة إلى أنه: “مع الدراما التلفزيونية يُفضّل أن نكون أكثر حذراً وانتقائية في طرح ما نريد. فللتلفزيون في مجتمعاتنا العربية خصوصيةٌ شديدةٌ ومكانةٌ كبيرة في وعي ووجدان المتلقي”.

النقاشات واحتدام الخلاف حول الدراما التلفزيونية كل عام، والمبالغة في تطلعاتنا وانشغالنا بما يُعرف بالموسم الرمضاني. من توجيه وسائل الإعلام جل اهتمامها، وشغل ساعاتٍ من هواها، للمسلسلات والممثلين والمخرجين. وما هي تطلعاتهم وكم عدد مشاركاتهم، وهل من جزء جديد لذاك المسلسل. وتحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصاتٍ للنقاد والمحللين والمتصيدين وللصد والرد..

 كل هذا جعلنا نعتبر الدراما مصدراً للمعارف، ومرجعاً نلجأ إليه، وتعبيراً عن ثقافتنا. لذا فنحن نعطيها من وقتنا وتفكيرنا الكثير، في حين يمكن أن نعتبرها جانباً مسلياً، مفيداً في بعض الأحيان ولكن ليس محورياً في سلوكنا الحياتي. 

وهاج عزام 

اقرأ المزيد: