استقلالية المرأة الاقتصادية.. قضية تغيير 

تشكل استقلالية المرأة الاقتصادية، واحدةً من قضايا حركة التغيير العميق في المجتمع، والأنظمة في المنطقة العربية. لما تشكّله من كسر قيود النظام الأبوي الجاثم على الحريات العامة والخاصة، وثورةٍ على الذهنية الذكورية المتجذرة بعقول الغالبية الساحقة من أفراد المجتمع.

تتطور الأزمات العاصفة في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ متواترٍ خلال العقود الأخيرة، وخاصة سوريا التي تواجه واحدةً من أعقد النزاعات منذ تشكلها السياسي في بداية القرن الفائت. الأمر الذي يضع العديد من القضايا على محك تطور المجتمع، وخاصةً القضايا النسوية. فبالرغم من بروز دور النساء خلال الأزمة السورية على مختلف الصعد الإنسانية والسياسية والاقتصادية. فلا تزال مسألة استقلالية النساء الاقتصادية، تعتبر واحدةً من التحديات الكبرى أمام الحركة النسوية ومنظمات المجتمع المدني.

وتتوافق العديد من الأدبيات النسوية على أن الاستقلالية الاقتصادية للمرأة، هي قدرتها على الحصول على دخل ماليٍّ عادل من خلال العمل أو الأعمال أو الاستثمار. وإدارة أموالها وشأنها الاقتصادي بشكلٍ مسؤول، واتخاذ قراراتٍ اقتصاديّةٍ تحقق أهدافها وتحمي حقوقها، بشكلٍ حرٍّ ومستقل. دون حاجتها إلى الاستعانة بأي شخصٍ من الأقارب أو الأصدقاء أو جهاتٍ حكومية. ما يعزز من مكانتها المجتمعية ومشاركتها الفاعلة في التنمية والحياة السياسية.

مؤشرات استقلالية المرأة الاقتصاددية

تشكل استقلالية المرأة الاقتصادية، واحدةً من قضايا حركة التغيير العميق في المجتمع، والأنظمة في المنطقة العربية. لما تشكّله من كسر قيود النظام الأبوي الجاثم على الحريات العامة والخاصة، وثورةٍ على الذهنية الذكورية المتجذرة بعقول الغالبية الساحقة من أفراد المجتمع. ولمعرفة مستوى هذه الاستقلالية يجب دراسة العديد من المؤشرات، التي تعكس مدى قدرة المرأة في الحصول على دخل، وإدارة أموالها، واتخاذ قرارات اقتصادية، والوصول إلى الموارد وتكافؤ الفرص.

ومن تلك المؤشرات، نسبة النساء في القوى العاملة، وهي عدد النساء اللاتي لديهن عمل أو يبحثن عن فرصة عمل من مجمل عدد النساء في سن العمل (من هن بعمر 18-60 عاماً). ونسبة النساء العاطلات عن العمل من إجمالي عدد النساء المتواجدات في سوق العمل. ونسبة فوارق الأجور بين الجنسين في نفس المستوى العلمي أو المهني أو القطاعي.

كما تشمل نسبة النساء في مراكز صنع القرارات ضمن مختلف القطاعات العامة والخاصة والمدنية، إضافة إلى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. كما تشكل أيضاً نسبة النساء اللواتي يمتلكن مشروعاتٍ اقتصادية خاصة بهن من المشروعات الريادية. إضافة إلى امتلاكهن حقوقهن القانونية في امتلاك وإدارة وتوريث الممتلكات والتصرف بها (بيع، وشراء أو تأجير). ونسبة النساء المستفيدات من خدمات التمويل (اقتراض، فتح حسابات بنكية، إجراء تحويلات مالية… وغيرها) هي مؤشرات أخرى على الاستقلالية.

ولا يمكن القول إن هذه المؤشرات تشكل قائمةً شاملة أو نهائية لقياس استقلالية النساء. فهناك العديد من المؤشرات التي يمكن إضافتها بحسب المجتمع والمنطقة المدروسة. وهناك مؤشرات رئيسية وأخرى ثانوية أو مؤثرة على استقلالية المرأة مثل التعليم، والصحة، والثقافة، والأمان وغيرها. لذلك، يجب تحديد العوامل المختلفة بعين الاعتبار عند تحليل حالة المرأة في المجتمع.

مؤشرات استقلالية السوريات

ولمعرفة بعض المؤشرات حول واقع استقلالية المرأة في سوريا، والتي تفتقر بشدة إلى الدراسات والإحصاءات الدقيقة. فإن تقرير “الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2022″، وهو تقرير سنوي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي. ويقيس مدى تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في أربع مجالات رئيسية: التعليم، الصحة، الاقتصاد، والسياسة. بيّن أن ترتيب سوريا في المؤشر العام هو 153 من أصل 156 بلداً، وهو أدنى ترتيب عربي وثاني أدنى ترتيب عالمي.

وجاء في مؤشرات التقرير الفرعية أن سوريا حلت في قطاع التعليم بالمركز 152 عالمياً، والأخير عربياً. وهذا يدل على أن مستوى التحصيل التعليمي للنساء في سوريا منخفض جداً مقارنة بالرجال، وأن هناك نقصاً في فرص التعليم للفتيات والفتية. وفي قطاع الصحة كانت بالمركز 149 عالمياً، والأخير عربياً. وهذا يشير إلى أن صحة النساء في سوريا مهددةٌ بشكلٍ كبير، وأن هناك اختلافاتٍ في معدلات البقاء على قيد الحياة والصحة الإنجابية بين الجنسين. والقطاع الاقتصادي في المركز 156 عالمياً، والأخير عربياً. وهذا يعكس أن مشاركة النساء في سوق العمل في سوريا ضئيلةٌ جداً، وأن هناك فارق كبير في الأجور والدخل والثروة بين الجنسين، وفي القطاع السياسة كان مركزها 136 عالمياً، والثامن عشر عربياً. وهذا يظهر أن نسبة المرأة في المناصب السياسية والتشريعية في سوريا منخفضةٌ نسبياً، وأن هناك حواجز تحول دون مشاركتها في صنع القرار.

يمكن الاسترشاد بهذه المؤشرات للبدء بدراسةٍ معمقة حول واقع استقلالية المرأة الاقتصادية في سوريا، ومدى الإهمال وضعف التدخلات والبرامج على صعيد المؤسسات الرسمية والمدنية، بالرغم من الأهمية البالغة لها. حيث تتناسب استقلالية المرأة الاقتصادية طرداً مع تحسن جودة حياتها وحياة أسرتها، وانخفاض معدل الفقر وزيادة معدلات التنمية والنمو. وارتفاع مستوى التعليم والصحة، وزيادة نسبة المشاركة السياسية والاجتماعية، والحد من التمييز والعنف ضد النساء.

تحديات الوصول للاستقلالية الاقتصادية

وبكل تأكيد تواجه المرأة والحركة النسوية والمجتمع المدني العديد من التحديات لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية. مثل ضعف البيئة التشريعية والقانونية التي تكفل حقوق المرأة. وعدم وجود إرادةٍ سياسيةٍ للوصول إلى هذه الأهداف، وضعف الوعي العام وتجذر الذهنية الذكورية. في ظل قلة المؤسسات المهتمة بقضايا النساء، وممانعة المؤسسات الرسمية خلق مساحات عملٍ مدنية آمنة، تتيح بناء شراكاتٍ فاعلة تضع رؤية وبرامج عمل مشتركة. والمترافق مع ضعف التمويل ومحدوديته وقصر فترات التدخل. وعدم وجود شراكاتٍ استراتيجيةٍ بين المنظمات المحلية والمانحين وشبكات أصحاب المصلحة، وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام. حيث ازدادت البطالة مع نقص فرص العمل وضعف الدخول والقدرة الشرائية. وعدم المساواة في الأجور وغياب تكافؤ الفرص، وانخفاض مستوى الأمان في بيئة العمل. مع وجود التحرش والاستغلال الجنسي، وانخفاض مستوى التعليم والمهارات المهنية المطلوبة لسوق العمل. وزيادة أعباء النساء، وخاصةً المسؤوليات المنزلية ورعاية الأطفال وكبار السن، إضافةً إلى المخاطر الأمنية والضغوط المجتمعية الذكورية.

مسؤوليات

تحتاج المرأة إلى الدعم أكثر مما سبق، فقد أصدر “البنك الدولي”، في شهر آذار من عام 2023، تقريراً كشف فيه أن “الوتيرة العالمية للإصلاحات الرامية إلى المساواة في معاملة المرأة بموجب القانون تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاماً. الأمر الذي يشكل عقبةً محتملة أمام النمو الاقتصادي، في وقتٍ حرجٍ بالنسبة للاقتصاد العالمي”.

وهذا الواقع النسائي المتردي يتطلب من الحكومة والسلطة التشريعية العمل على تطوير البيئة التشريعية والقانونية الضامنة لحقوق المرأة في جميع المناحي الاقتصادية. وتطبيقها بشكلٍ فعّالٍ، والتشجيع على مشاركة المرأة في صنع السياسات وصناعة القرارات، وإشراك منظمات المجتمع المدني لتحقيق تلك الأهداف.

وتلعب المؤسسات المالية دوراً مهماً في تحقيق استقلالية النساء، عبر العمل على توفير خدماتٍ ماليةٍ مخصّصةٍ للاحتياجات والظروف المحددة للمرأة. مثل التسهيلات الائتمانية، وبرامج التدريب والتوجيه، والحماية من المخاطر وإدارة المشاريع. كما يجب أن تعمل منظمات المجتمع المدني والكيانات والتجمعات، على تغيير النظرة النمطية والسلبية التي تنال من المرأة العاملة أو المستثمرة. وعلى تعزيز مكانتها المجتمعية وتأمين بيئة آمنة غير تمييزية أو عنفية. وتساهم في تمكينهن المعرفي والحقوقي والمهني وتعميم قصص النجاح وإبراز القدوة النسائية.

وبالطبع كل ذلك لا يغني عن أن على النساء أن يثقن بأنفسهن وبقدراتهن، ويستثمرن في تعليمهن وتطوير مهاراتهن. ويتعلمن كيفية إدارة أموالهن بحكمة، ويشاركن في شبكات الدعم والتضامن مع غيرهن من النساء. فهنّ قادراتٌ على صناعة التغيير ونيل حقوقهن.

رواد بلان

اقرأ أيضاً: مساهمة عمل النساء في صناعة السلام