لنبتعد قليلاً عن الأكاديمية في الحديث عن حياة النساء وأعمالهنّ؛ وعن قراراتِ الأمم المتحدة التي تتحدث عن دور النساء في صناعة السلام، وعن الشعارات الرنانة في تحرير المرأة وتحررها. وننظر إلى الزاوية الأخرى في حياتهنّ، الزاوية الفطرية، التي تشعرهنّ بقيمة الحياة المليئة بالحب والتفاؤل. من زاوية عملهنّ القائمِ على الشعور بالأمن والاستقرار، اللذين ينعكسا بالضرورة على أمن واستقرار المجتمع، وما هو قائمٌ بالضرورة قائمٌ بالفعل. ونرى كم يمكن أن تكون هؤلاء النساء صانعات سلام بالفطرة. نعم قد يكون هذا العمل فطرياً، لكنه يحقق (ولو بشكلٍ جزئيٍّ. وبشكلٍ تلقائيّ المساواةَ بين الرجل والمرأة على صعيد العمل، والذي فشل العالم في تحقيقه بالكامل.
العمل التقليدي لا يحط من شأن النساء
العمل هو العمل سواء أكان أكاديمياً أو تقليديّاً، وكل فرد (أنثى كان أو ذكراً) ناجحٍ في عمله، هو/ـي معلمٌ في مكانه. ومن الواضح والجليّ وفي ظلّ تدهور المستوى المعيشي في السويداء؛ قد ازداد دخول النساء إلى سوق العمل، سواء أكان هذا العمل تقليدياً أو أكاديمياً، لكنه حقق للنساء تحرراً اقتصادياً لا بأس به.
تحدثت السيدة “سامية أبو حسون” من محافظة السويداء لـ “أرضية مشتركة”، عن تجربتها الزراعية التي وفرت لها تحقيق الذات أولاً، وتحقيق الاكتفاء الذاتي ثانياً:
“أنا امرأة في الخامسة والستين من عمري، أحب الزراعة وأحب أن أعيش من تعبي وجهدي. يلقبني أولادي بالمرأة الحديدية بسبب ما أعانيه من أمراض عصبية في الرقبة والظهر (الديسك). لكن العمل في الأرض يمنحني طاقةً وإقبالاً على الحياة، حتى أنني أحس بأن عمري أربعة عشرة عاماً. أرضي صغيرةٌ لا تتجاوز نصف الدونم، لكنني جعلتها تتسع لجميع الخضروات والأشجار المثمرة والأعشاب العطرية والورود”.
وتضيف: “الحياة هي العمل، أنا لا أملك شهاداتٍ ومفرداتٍ تعبر عن حبي للعمل. لكن بكل بساطة الإنسان بلا عمل هو ميتٌ بكل معنى الكلمة، والعمل يعني تحقيق الذات والشعور بالأمان. لا أحب أن يكون مأكلي ومشربي وملبسي إلاّ من عملي، حتى أنني عشت فترةً طويلةً في دولة الإمارات، كنت خلالها أزرع الخضراوات في أواني مستعملة من الصفيح أو البلاستيك. تكفينا وعائلتي وتغنينا عن شرائها من السوق، هذا فضلاً عن كونها صحية وخالية من الأسمدة الكيميائية.
الإبداع يحقق السلام
عمرو ابني البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، مصابٌ بمتلازمة داون. دربته على العمل في الأرض، وأصبح يملك خبرةً بما تحتاجه الزراعة من حراثةٍ يدوية، وريٍّ وتعشيبٍ وإلى ما هنالك من عناية. بالإضافة إلى أنني اعتنيت به في صغره، ورأيت أنه يميل إلى الرياضة. فكنت ساعده الأيمن في تنمية موهبته، وتدريبه في مراكز خاصة بحالته. حتى أصبح الآن من أبطال الجمهورية لكرة القدم، وحاز على عدة ميدالياتٍ ذهبية في كرة التنس. دوماً أدفع عَمراً إلى المشي كي لا يزداد وزنه، أرافقه في ذهابه إلى التدريب، وإيابه مرتين في الأسبوع، ونسير ما يقارب ستة كيلو مترات في كل مرة.
بزوغ التجربة
أضافت السيدة سامية:
“من خلال حبي للعمل أولاً وأخيراً؛ أحببت أن أترك بصمةً في الحياة، حتى لو كانت بصمةً على مقاسي. توفي زوجي قبل تسع سنواتٍ، فرغبت في تحقيق ذاتي من خلال عملي في هذه القطعة الصغيرة من الأرض. والتي تؤمن غذاء ثلاثة بيوتٍ من الخضار والفواكه، بيتي وبيت ابني وبيت ابنتي. وأستفيد من الفائض بدخلٍ لا بأس به من الفائض عن حاجتنا، كما أنني لا أبخل في إهداء مَن يستحق. ولا أخفيكم بأن لعمرو الدور الكبير في بزوغ تجربتي، أردته أن يكون شخصاً فعّالاً في الحياة، وألا يشعر بسبب حالته الخاصة أنه مختلفٌ عنا. يساعدني في صناعة دبس العنب، والمربيات بكافة أنواعها، وتجفيف الورود والأعشاب العطرية، هذه هي تجربتي باختصار.
كما أريد أن أضيف بأن للمرأة الدور الأكبر في بناء الأسرة، وتحقيق استقرارها وأمنها الغذائي. سواء بمشاركة الرجل أو بدونها، وخصوصاً إذا كانت تمتلك المحبة لجميع الناس”.
عندما تحدثت السيدة سامية عن المرأة وعن تجربتها، كانت تتحدث بفطرتها الصافية غير المشوهة. وتعاملت بالحب في تدريب ابنها ذي الاحتياج الخاص، وفي رعاية أرضها الصغيرة. حتى أتقنت فن الحب حسب رأي “أريك فروم”، وساهمت في صناعة السلام الداخلي لأسرتها وذاتها. وتخفيف العنف والتوتر بسبب الأوضاع الاقتصادية القائمة حالياً، من ثم انعكاس هذا السلام على المجتمع. وأثبتت أن النساء صانعات سلام بما يقمن به من أدوار وأعمال.
شكراً سيدة سامية، وتستحقين أن تكوني قدوةً جيدة في عملك لأغلب النساء غير العاملات.
أنجيل الشاعر