دور الشباب في بناء السلام

الشباب هو عماد كل مجتمع وطاقاته الفكرية والجسدية، وينبغي أن يكون عماد الدولة وطاقاتها المتجددة سياسياً واقتصادياً وثقافياً. وهو العنصر الأقوى في عملية الإنتاج والشؤون الإدارية، وبناء السلام في المجتمع والدولة. عن طريق بناء القدرات، واحتضان المواهب والكفاءات، ومشاركة فئة الشباب (إناثاً وذكوراً)، في الحياة الاجتماعية والسياسية وصولاً إلى أماكن صنع القرار.

أما ما نشاهده اليوم على الساحة السورية ليس إلاّ تدميراً لتلك الطاقات الحيوية وتخزينها في خزانات بشرية عاطلة عن العمل وتجديد الطاقة. هل الشباب السوري قادر اليوم على بناء السلام في ظل الظروف الاقتصادية السيئة، وفي ظل التهميش السياسي والاجتماعي لهم/ــن؟ وما هي المعوقات التي تعيق سير الشباب في عملية بناء السلام؟

للتعرف على دور الشباب في عملية بناء السلام؛ التقينا مع البعض من الشباب المهتم بتلك العملية، ويمثلون/ن شريحة من هذه الفئة.

الواقع الدراسي والاجتماعي

حدثتنا الطالبة الجامعية شام:

أنا طالبة في السنة الثانية، أدرس في أحد الفروع العلمية في جامعة حلب، وأنا طبعاً من السويداء التي تبعد عن حلب حوالي 500 كيلومتراً. نواجه الكثير من المعوقات للوصول إلى النجاح في دراستنا. وأولى هذه المعوقات هي أجور النقل المرتفعة، التي يدفع ضريبتها الأهل والطلاب والطالبات أنفسهم/ـن، حيث يضطرون/ـن للعمل إلى جانب الدراسة، وقد تبلغ ساعات العمل 12 ساعة يومياً لردف المصاريف الجامعية.

وثاني تلك المعوقات غلاء المحاضرات في المكتبات الجامعية، لذلك أخذنا الاتجاه الأوفر وهي الدراسة عن طريق الهاتف المحمول، لتوفير ثمن المحاضرات. أما المعوق الأكبر الذي يتحكم في مستقبل الطلاب/ــات، هو عدم الإنصاف في تصحيح أوراق الامتحان. وهنا لا نعرف ما يريده دكتور المادة بالتحديد، عداك عن الرشاوى من أجل النجاح، وأكثر ما نرى هذا الفعل من الطبقات الغنية. كما نشاهد بعض مظاهر التمييز الطبقي في السكن الجامعي، بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهنا في اختلاف البيئات والعادات والتقاليد المتباينة. لكننا تجاوزنا ذلك التباين ببناء علاقات جيدة ومريحة مع بعضنا البعض.  

وعن تهميش الشباب اجتماعياً وسياسياً تقول شام: تعتبر فئة الشباب فئة مهمشة اجتماعياً وسياسياً، حيث أن القادة المجتمعيين لا يتجهون إلى تلك الفئة، لا في حل النزاعات ولا في إدارة قضايا المجتمع، حتى لو كانت القضية متعلقة بتلك الفئة تحديداً. لكن منظمات المجتمع المدني أحاطت ــــــولو بشكل بسيطــــ بتلك الفئة. وأصبح لها حضور ملحوظ في المجتمع سواء على صعيد المبادرات، أو على صعيد الفئات المستهدفة. 

من هنا أستطيع أن أقول إن لفئة الشباب دوراً كبيراً في بناء السلام، على الرغم من المعوقات آنفة الذكر في دراستنا. ويتجلى هذا الدور في المبادرات التطوعية مثلاً كالمشاركة في حملات التشجير، والإغاثة وخصوصاً في الفترة الأخيرة. فقد شاهدنا مبادرات الشباب في أحداث الزلزال الذي ألمّ بشمال غرب سوريا، وذلك على مستوى سوريا بشكل عام، وعلى مستوى محافظة السويداء بوجه خاص.

الشباب والسلام

ثم حدثتنا المحامية وجيهة وهي ناشطة مدنية:

للشباب دورٌ كبيرٌ في بناء السلام إذا أخذت هذه الفئة مساحتها ودورها بشكلٍ فعالٍ وآمنٍ، سوف تكون فاعلاً رئيسياً ومحرّكاً لعملية بناء السلام. فلطالما اعتمدت تلك العملية على فكر الشباب الحر والواعي والمتغيّر بشكل دائم. وفي منطقتي (السويداء)، الشباب هو المتأثر الأكبر في الصراعات، والمتضرر المباشر من تداعيات الحرب والأزمات بمختلف أشكالها، وأخص بالذكر الأزمة الاقتصادية. لذلك إذا أخذ الشباب دوره ومساحته الآمنة، سوف يطرح حلولاً ملائمةً للسياق، وسوف يفعّل أدوات بناء السلام بشكل حقيقيّ. 

وقد عملت المنظمات المدنية بأدوات مختلفة، سواءً بتدريب الشباب وتمكينهم/ـن من أدوات جديدة تفتح لهم الأفق، أو من خلال دعم قيادتهم/ن لمبادرات شبابية ذات أثر جيد في المجتمع، وإعطاء الشباب المفاتيح الأساسية للوصول إلى المعرفة، سواء على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي. إذ كان من الضروري إلقاء الضوء على القرارات الأمميّة والقوانين الدولية، وتمكين الشباب على مستوى عالٍ، والأجدر هو العمل بالشق السياسي وتمكين الشباب سياسياً. لكن مهما تمّ العمل على التمكين والأدوات المطلوبة لتأخذ فئة الشباب دورها، فهذا غير كافٍ إن لم يكن السياق العام آمناً، والبيئة المحيطة متقبلةً لقرارات تلك الفئة، وواثقةً من قدرتها على قيادة أي مشروعٍ أو فكرٍ جديد أو حتى تغييرٍ جذري. 

حسب آراء الشابات السابقة؛ نرى أن بناء السلام يحتاج إلى مقومات لتحقيق الاستقرار المجتمعي. ومن أهم تلك المقومات، البيئة الآمنة والحاضنة الاجتماعية للشباب. وبما أن البيئة الآمنة شبه مفقودة في الوقت الحالي بسبب الوضع الراهن المأزوم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ـــوهو الأهمــــ، فليس من الصعب أن نخلق أدواتٍ مختلفةً وأوليّة، لتحقيق ولو جزءٍ بسيطٍ، من الاستقرار النفسي على أقل تقدير. فمثلاً لدينا الأدوات الثقافية المتعلقة بالرياضة والفنون بكافة أشكالها، مثل السينما الهادفة لبناء السلام، ودورات تعلم الكتابة، سواء الأدبية منها أو كتابة الصحافة والبحوث العلمية. مع التركيز على أن تكون الفئة المستهدفة هي فئة الشباب، على ألا تقتصر على الناشطين والناشطات، بل تجمع الفئات المغيّبة عن فهم السلام وأهدافه. هل بإمكان المنظمات المدنية القيام بتلك الأدوات الأولية؟ 

أنجيل الشاعر