المخدرات تحاصر شباب الجنوب

تفتك ظاهرة المخدرات بالشباب اجتماعياً واقتصادياً، حتى يصل بهم الأمر بعض الأوقات إلى ارتكاب العنف والجريمة. ما أسهم في إيصال المجتمع إلى حالةٍ سيئة للغاية تهدد تماسكه وتحقيق السلام والاستقرار. وخاصةً بعدما أصبحت المواد المخدرة تصنع محليّاً، في ظل ضعف دور الضابطة العدلية وانتشار العصابات المسلحة.

لقد بات الحديث يزداد يوماً بعد آخر عن وجود عددٍ غفير من الشباب في الجنوب السوري، ومن مختلف الأعمار يدمنون على تعاطي المخدرات بأنواعها المختلفة بشكلٍ غير مسبوق. فيستدلون إليها، عبر شبكاتٍ تجاريةٍ محليةٍ أخذتها كمصدر رزقٍ رديف. فتفتك بالشباب اجتماعياً واقتصادياً، حتى يصل بهم الأمر بعض الأوقات إلى ارتكاب العنف والجريمة. ما أسهم في إيصال المجتمع إلى حالةٍ سيئة للغاية تهدد تماسكه وتحقيق السلام والاستقرار. وخاصةً بعدما أصبحت المواد المخدرة تصنع محليّاً، في ظل ضعف دور الضابطة العدلية وانتشار العصابات المسلحة.

آثار تعاطي المخدرات

كشف مدير “إدارة مكافحة المخدرات” في وزارة الداخلية السورية، العميد نضال جريج، في مقابلة صحفية في شهر أيلول لعام 2022 مع وكالة سانا الرسمية، بأنه خلال عام 2022 حتى تاريخه: تم تنظيم ضبط ل 6625 قضية، والقبض على 851621 شخصاً. ومصادرة 1887 كيلوغراماً من مادة الحشيش المخدر، و23.915.959 حبة كبتاغون مخدرة. و107583 حبة دوائية نفسية و6.5 كيلوغرامات هيروئين و45 كيلوغرام كوكائين. و2.3 كيلوغرام بذور القنب الهندي و23 كيلوغرام “ام فيتامين”.

وفي مقابلة مع قناة BBC NEWS عربي في شهر نيسان عام 2022، قال العقيد زيد الدباس في الجيش الأردني بأنه يتواجد في جنوب سوريا أكثر من 160 جماعة تنشط في تجارة وتهريب المخدرات وأعدادهم بازدياد. كما يقول أن لديهم “تكتيكات جديدة مثل تلك الخاصة بعصابات الجريمة المنظمة”، ويستخدمون طائراتٍ بدون طيار ومركباتٍ مخصّصةٍ باهظة الثمن.

لـ “أرضية مشتركة”، يقول محمد الزعبي _اسم مستعار_ البالغ من العمر 29 عاماً، والمقاتل السابق في صفوف إحدى الفصائل المسلحة في منطقة درعا قبل عدة سنوات: “لقد أدمنت على حبوب البالتان وحبوب الترامادول لمدة سنتين قبل أن يتم احتجازي في مصحٍّ في بلدة الطيبة شرق درعا في عام 2017. وكانت حياتي قبل الاحتجاز في المصح أكثر من جحيمٍ على الأرض من الحياة. فقد تعدّيت على حقوق الجميع وتخطيت كل شيءٍ من أجل سعادتي الشخصية. وقد تمحور وجودي حول تلبية احتياجاتي الخاصة، وشملت أساليبي غير المشروعة سرقة الأموال من عائلتي، وبيع المخدرات وقتما استطعت ذلك”.

وأردف: “كان الإدمان بالنسبة لي هو كل شيءٍ في حياتي، ولكنني لم أكن سعيداً. وكلما كنت أشعر باليأس أكثر، كنت أقوم بتعاطي المخدرات لنسيان ما كنت أشعر به. وأنا الآن بعدما شفيت من إدماني أتساءل: هل كانت تلك الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه المشاعر السلبية. إضافة إلى الشعور بالوحدة أو العزلة؟؟. على الاغلب لا.. هي ليست كذلك.

لقد مكثت في المصح قرابة ستة أشهر، كانت كافيةً لابتعادي عن التعاطي وتثقيفي بطرق ونصائح قد أقولها لمتعاطين آخرين. وأنا أحلم الآن بأن أكون مديراً لمصحٍ في منطقتي بسبب الانتشار الواسع لهذه الآفة حالياً مع الفقر الشديد التي تعاني منه المنطقة لمثل هكذا مشاريع”.

بعض السبل للحد من الظاهرة 

وأشارت دراسة لموقع “الطبي الشهير” تم نشرها على موقعه الرسمي، إلى أنّ أضرار المخدرات لا تنحصر في تأثيرها السلبي على صحة الفرد، ومحيطه الصغير من أسرته وأصدقائه فحسب. بل تطال المجتمع بأسره في مختلف الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية. فيما تتعدد أضرار المخدرات على صحة الفرد النفسية والبدنية، والأسرة والمجتمع بأكمله. لذا يجب علينا زيادة الوعي بمخاطر هذه الآفة وانتشارها بين شباب مجتمعنا، وتوعية المدمنين بأهمية الخضوع للعلاج، وإعانتهم على ذلك. وحسب ما أشار له الموقع فإن أضرار تعاطي المخدرات على المجتمع تتضمن ما يلي:

  • وقوع الحوادث والإصابات وربما الوفاة نتيجة القيادة تحت تأثير المخدر.
  • السرقة والتعدّي على ممتلكات الآخرين.
  • العنف وانتهاك حقوق الآخرين وقد يصل إلى القتل أو الاغتصاب.
  • زيادة البطالة والتشرد.
  • انتشار الفساد في المجتمع.

فيما قد تشمل مخاطر تعاطي المخدرات والإدمان على الفرد: العزلة والشعور بالوحدة، انخفاض التحصيل الدراسي، فقدان الوظيفة والمشاكل المالية، توتر العلاقات الاجتماعية وخرق القانون.

لقد غرقت المنطقة بالمخدرات بحسب (أ. ف) مختار محلي لإحدى بلدات ريف درعا ضمن الشريط الحدودي المحاذي للمملكة الأردنية في لقاءٍ مع “أرضية مشتركة”. وللحد من هذه الظاهرة توجهنا مع بعض وجهاء ومشايخ المنطقة إلى قادة الفصائل المحلية المسيطرة على المنطقة. واتفقنا معهم على محاربة هذه الآفة بكل الوسائل المتاحة. بدايةً بالنصائح والجولات على المدارس التي وصلت إليها المخدرات مؤخراً بهدف توعية الطلاب. وصولاً لحث أئمة المساجد في خطبهم على الحديث بذات الموضوع بشكل دوري. والتنسيق مع هيئات ومنظمات المجتمع المدني للقيام بحملات توعية، وتكثيف الجهود الإعلامية كافةً على مواقع التواصل الاجتماعي المتابعة محليّاً. نهايةً إلى استخدام القوة في ردع غير المتعاونين وغير الآبهين بسلامة وأمن المنطقة وأهلها. منوهاً بأن جميع هذه الإجراءات لا تنفي الدور الكبير الذي يقع على عاتق الأسرة. من خلال توجيه أبنائهم للطريق الصحيح وتوعيتهم بأضرار المخدرات والرقابة الدائمة للأبناء، وملاحظة أي تغييرات قد تطرأ على الأولاد والتدخل السريع في حالة ملاحظة أي تغير في سلوكياتهم.

تداعيات انتشار المخدرات

يروي الناشط ماهر محاميد _اسم مستعار_ يبلغ من العمر 32 عاماً، يعيش في بلدة أم المياذن في محافظة درعا، لـ “أرضية مشتركة” الأحداث التي جرت في السابع من شهر آذار الماضي في البلدة. والتي بدأت بمقتل أحد أفراد مجموعة تعمل في تجارة المخدرات، وتطور الأمر إلى اشتباكات مسلحة بين أفراد المجموعة من جهة، واللواء الثامن المدعوم روسيّاً من جهة أخرى.

فأخبرنا أن الاشتباكات بدأت بالأسلحة الفردية الخفيفة، ثم تطور الأمر إلى استخدام المضادات الأرضية، وقصفٍ متبادلٍ بقذائف الهاون بين الطرفين. ما أسفر عن احتراق أحد منازل المدنيين في البلدة، وسط مناشداتٍ أطلقها المدنيون لإيقاف الاشتباكات. وقد استمرت الاشتباكات حتى ساعات المساء مع إعلان اللواء الثامن دخول الحي الذي يتحصن به أفراد المجموعة. وفرض حظرٍ للتجوال فيه واقتحام المنزل، ومصادرة كمياتٍ من المواد المخدّرة واعتقال ثلاثة أشخاص تم اقتيادهم إلى مقرات اللواء الرئيسية في مدينة بصرى الشام.

كما يقول ماهر بأن يومين من الحرب أتيا على الواقع التعليمي والاقتصادي في البلدة. وكان لها الأثر السلبي الكبير على الحالة النفسية لأهاليها. فلم تعد تشاهد أحداً في الشوارع، ولا الأطفال ذهبت للمدارس، ولا بائعو الخضار افتتحوا محالهم. كل ذلك بسبب الخوف الذي تتركه الحروب والنزاعات في أي منطقة تدخلها تجارة هذه المادة.

وفي السويداء قامت العديد من المبادرات المدنية بحملاتٍ مناهضة لانتشار المخدرات، تنوعت بين جلساتٍ حوارية، وحملاتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي. لتوعية الأهالي والشباب بمضار المخدرات وأخطارها على المجتمع. ووصل الرفض المجتمعي لهذه الظاهرة إلى وقوع صداماتٍ مسلحة بين الأهالي، بدعم مجموعات مسلحة محلية، مع عصابات تهريب وتجارة المخدرات. كان أبرزها عصابة عتيل التي كانت تمتلك ورشة تصنيع حبوب الكبتاغون، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى، وتسليم عددٍ منهم إلى الجهات المختصة. في وقتٍ تطالب به المنظمات المدنية والقيادات الاجتماعية من هذه الجهات أخذ دورها في وقف انتشار المخدرات داخل المنطقة، أو حتى نقلها إلى الأردن والعراق.

إن التعاطي الآن أصبح يشمل جميع الشرائح بما فيهم النساء، الأمر الذي يقرع جرس الإنذار بأن مستقبل سوريا ومستقبل الشباب الذين يُفترض بهم أن يعيدوا بناء الدولة في خطر. والقضية قد تخرج عن السيطرة ما لم نشهد جهوداً مكثّفةً تجاه هذه الآفة والتي من الممكن أن تدفع الى أحداث لا تحمد عقباها.

فريق التحرير

اقرأ أيضاً: دور الشباب في بناء السلام