يتداول السوريون الواقع السوري وسبل الخلاص من حالة الاستعصاء السياسي الممتدة منذ عام 2011. حيث يحضر القرار الأممي 2254 في الشارع السوري، نتيجة الوعي الجمعي الذي يعي بأن خلاصه يأتي عبر الحل السياسي. والذي عجز السوريون عن إنجازه إلى اليوم، رغم الكثير من الفرص الضائعة، في حالة استسلام للتدخل الدولي. الذي يتوهمون أنه المنقذ لما يشكله من حالة حماية لأطراف النزاع، إلا أنه سلبها في الحقيقة جزءاً كبيراً من قرارها وحريتها بالتحرك وخلق مساراتٍ سورية.
تأكيد القرار2254 على جميع القرارات السابقة
وضع مجلس الأمن خطوات للحل السوري حسب القرار2254 الذي اتخذه في جلسته رقم 7588، المعقودة في 18 كانون الأول لعام 2015. وقد أشار إلى جميع قرارات المجلس السابقة المتعلقة بالأزمة السورية. بدءاً من قراره 2042 لعام 2012، إلى قراره 2249 لعام 2015، إضافة إلى بياناته الرئاسية حتى 17 آب2015. ما يعني أن القرار يتضمن جميع ما نتج عن المجلس خلال الأزمة السورية. ويشكل مساقاً متناغماً ومتكاملاً، ويفضي إلى ذات الأهداف، وليس كما يسوّق البعض أنه يلغي ما سبقه أو يتجاوزه.
يوضح القرار في مقدمته التزام جميع القوى بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية. وتشير إلى تدهور الحالة الإنسانية، ودور استمرار الصراع وأثره السلبي في دعم الإرهاب، وأثر الأزمة في زعزعة استقرار المنطقة وخارجها. ولذلك تبعاتٌ عديدة على آليات التعاطي والتدخل في حل الأزمة، مؤكداً أن الحالة ستستمر في التدهور في ظل غياب الحل السياسي.
ويطالب جميع الأطراف باتخاذ كل الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، بمن فيهم أفراد الجماعات العرقية والدينية والمذهبية. دون توضيح ماهية تلك الخطوات، وإن كان يجب أن تتم بشكلٍ جماعيٍّ أو منفرد. وبالرغم من تأكيده أن السلطات السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية سكانها، لكنه لم يؤكد أنها الوحيدة، ما يجعل خطر التدخلات الخارجية قائماً.
ارتباط القرار2254 ببيانات جنيف وفيينا
كرر 2254 التأكيد على أنه ما من حلٍّ دائم للأزمة الراهنة في سوريا، إلا من خلال عملية سياسية جامعة. بقيادةٍ سوريةٍ تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، ولم يأت على تبيان تلك التطلعات المتروكة على ما يبدو ليعبر عنها. لافتاً إلى أن الهدف تنفيذ بيان جنيف المؤرخ بـ 30 حزيران 2012، ومؤيداً بالقرار 2118 لعام 2013. عبر مجموعة سبل منها إنشاء هيئة حكمٍ انتقاليةٍ جامعة، يتم تخويلها سلطاتٍ تنفيذيةً كاملة. وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، أي السلطة والمعارضة. أما تخويلها للصلاحيات فيجب أن يكون عبر السلطة ذاتها، مع كفالة استمرار المؤسسات الحكومية. ولم يتم توضيح من قبل من تأتي هذه الكفالة، إلا أنها غالباً يجب أن تكون من قبل القائمين عليها اليوم.
ورغم ثنائه على الفريق الدولي والأطراف الفاعلة بالأزمة السورية، عبر الإشارة لهم في اجتماع فيينا بـ 30 تشرين الأول 2015، وبيان الفريق الدولي بـ 14 تشرين ثاني 2015، والذي يشار له ببيان فيينا. بكفالة الانتقال السياسي تحت قيادة سورية، يمتلك زمامها السوريون، وذلك لدواعي امتلاك الشرعية القانونية والمجتمعية. إلا أنه شدد على الحاجة الملحة لأن تعمل جميع الأطراف في سوريا بشكل حثيثٍ وبنّاء في سبيل تحقيق هذا الهدف. وهنا تظهر أهمية الفعل السوري والذي يشكل أساس نجاح أي مساعي.
وكما حدد المبادئ الأساسية الملزمة لجميع الأطراف في العملية السياسية، وهي وحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي. وكفالة استمرار المؤسسات الحكومية، وحماية حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن العرق أو المذهب الديني. وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلاد، وهذه المبادئ كفيلة بضرب أي أوهام انفصالية أو فرض هويات عرقية أو دينية.
وشجع على مشاركة المرأة على نحو هادف في العملية السياسية، وهذا يقتضي العمل الجاد من جميع الأطراف لتحقيق هذه المشاركة الفاعلة والحقيقية.
إضافة إلى أنه وضع في اعتباره الهدف المتمثل في جمع أوسع نطاقٍ من أطياف المعارضة. باختيار السوريين، الذين سيقررون من يمثلهم في المفاوضات، ويحددون مواقفهم التفاوضية. ولكن لم يحدد آلية اختيارهم من قبل السوريين، ولم تنتج أي آليات تمثيلية، فاقتصر الأمر على اجتماعات محدودة أو ادعاءات عامة غير إحصائية لظروف البلاد. كما أشار إلى اجتماعاتٍ عقدها في موسكو وتعرف بمنصة موسكو والقاهرة التي تلاشت. إضافةً إلى اجتماع الرياض والذي جمع الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطنية وقوى ومستقلين آخرين.
السلال الأربعة
وللوصول لحل سوري حسب القرار2254، طلب الأإخير من الأمين العام ومبعوثه، دعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة للدخول في مفاوضاتٍ رسميةٍ بشأن انتقالٍ سياسي. مستهدفاً أوائل كانون الثاني 2016 كموعدٍ لبدء المحادثات، بهدف التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ دائمة للأزمة. وبدأت المفاوضات إلى أن توصلت في شباط عام 2017 بجنيف 4 إلى وضع السلال الأربعة. والتي تتمثل بـ:
- السلة الأولى: القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، مع الأمل في الاتفاق على ذلك خلال ستة أشهر.
- السلة الثانية: القضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، مع الأمل في أن تتحقق في ستة أشهر.
- السلة الثالثة: كل ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور، وذلك خلال 18 شهرا، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل السوريين خارج بلادهم.
- السلة الرابعة: استراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، وبناء إجراءات للثقة المتوسطة الأمد.
ورغم البدء بالعمل على وضع دستور جديد عبر لجنةٍ دستورية قيل أنها تمثل المعارضة والمجتمع المدني ومجموعةً مدعومة من الحكومة، إلا أنها فشلت إلى اليوم في أن تخرج بأي شيءٍ يذكر.
وأقر بدور الفريق الدولي باعتباره المنبر الرئيسي لتيسير الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق التسوية، ولكنه ليس الوحيد، ما أوجد مساراتٍ أخرى مثل أستانا وغيرها.
كما دعم القرار جدولاً زمنياً لعمليّةٍ سياسيّةٍ بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، في غضون ستة أشهر. تشمل الجميع ولا تقوم على الطائفية، تحدد جدولاً زمنياً لصياغة دستور، في غضون 18 شهراً، يستجيب لمتطلبات الحوكمة، وأعلى معايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة بمشاركة جميع من بحق لهم المشاركة، بمن فيهم بالمهجر.
بناء الثقة والعودة الآمنة
بين القرار أن العملية السياسية هي عمليةٌ موازية لوقف إطلاق النار، ما يبين أنه ليس شرطاً مسبقاً. وشدد على الحاجة إلى آلية لرصد وقف إطلاق النار. وهذا الجانب تم عبر اتفاق مناطق خفض التصعيد تحت إشراف القوى الفاعلة.
وكذلك كرر دعوته الدول الأعضاء لمنع وقمع الأعمال الإرهابية واستثناء داعش والنصرة والمجموعات الإرهابية من وقف إطلاق النار، على النحو الذي يعينه مجلس الأمن، وعلى نحوٍ ما يتفق عليه الفريق الدولي لدعم سوريا لاحقاً ويحدده مجلس الأمن.
ورحب بالجهود الأردنية للمساعدة في إيجاد فهمٍ مشتركٍ داخل الفريق الدولي للأفراد والجماعات التي يمكن تحديدها بوصفهم إرهابيين، حيث لعبت الحكومة الأردنية دوراً رئيسياً في عملية تحديد الجماعات الإرهابية.
وأيضاً لفت إلى ضرورة قيام جميع الأطراف في سوريا باتخاذ تدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعمليةٍ سياسيةٍ ووقف النار. ودعا جميع الدول إلى استخدام نفوذها لدى الحكومة والمعارضة للمضي قدماً بعملية السلام وتدابير بناء الثقة ووقف إطلاق النار.
كما أنه دعا الأطراف أن تتيح فوراً للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا ومن خلال أقصر الطرق.
ودعا إلى الإفراج عن أي محتجزين بشكلٍ تعسفيٍّ، لا سيما النساء والأطفال. وهنا أيضاً دعا دول الفريق الدولي إلى استخدام نفوذهم على الفور لتحقيق هذه الغايات.
وطلب من جميع الأطراف وقف أي هجماتٍ موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها. بما فيها المرافق الطبية والعاملون في المجال الطبي، وأي استخدامٍ عشوائيٍّ للأسلحة. والقصف المدفعي والقصف الجوي، وأن تتقيد جميع الأطراف بموجب القانون الدولي بشقيه القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حسب الاقتضاء.
ويؤكد الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين. وتأهيل المناطق المتضررة، وفقاً للقانون الدولي، حث الدول الأعضاء على تقديم المساعدات في هذا الصدد.
وفي الختام قرر المجلس إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي.
يشار إلى أن المسار السياسي مستمرٌ إلى اليوم، لكن دون تحقيق تقدمٍ في حل الأزمة السورية. ولذلك أسبابٌ دوليةٌ وإقليمية ودولية. إلا أن غياب الإرادة الحقيقية من أطراف الصراع الداخلي، هو ما يتحمل المسؤولية الأساسية في مد عمر الأزمة السورية. وإعطاء الدول سطوة على إرادة السوريين والحل السوري.
فريق التحرير
للاطلاع على نص القرار اقرأ: