خارطة سوريا الموسيقية.. مشروع أوسع من الحدود الجغرافية والسياسية

مشروع خارطة سوريا الموسيقية الذي انطلق العمل عليه عام 2018 وأبصر النور في عام 2020، بدعم من "صندوق حماية الثقافة" في "المجلس الثقافي البريطاني"، يشمل 100 أغنية ومقطوعة موسيقية من التراث السوري، موزّعة على المدن والمناطق السورية. يمكن استعراضها من خلال موقع الخارطة الإلكتروني الذي يعرض خارطة سوريا. ويمكن الوصول إلى الأغاني المتاحة عبر النقر على اسم المنطقة التي تظهر على الخريطة.

من المعروف أنّ الموسيقى السورية واسعةٌ ومتنوعة، وذات مصادر متعددة وامتدادات كبيرة. بحيث لا يمكن لمشروعٍ واحد أن يحيط بها، ويقدمها بشكلٍ كافٍ ومنصف. إلا أن طموح مبادرة “العمل للأمل” دفعها لإطلاق مشروع دعت فيه كل محبي الموسيقى السورية، وجامعيها، وخبرائها، ومستمعيها، إلى أن يشاركوا في تأسيس مشروع “خارطة سوريا الموسيقية”.

فكرة خارطة سوريا الموسيقية

المشروع الذي انطلق العمل عليه عام 2018 وأبصر النور في عام 2020، بدعم من “صندوق حماية الثقافة” في “المجلس الثقافي البريطاني”، يشمل 100 أغنية ومقطوعة موسيقية من التراث السوري، موزّعة على المدن والمناطق السورية. يمكن استعراضها من خلال موقع الخارطة الإلكتروني الذي يعرض خارطة سوريا. ويمكن الوصول إلى الأغاني المتاحة عبر النقر على اسم المنطقة التي تظهر على الخريطة.

ووضع المشروع نصب أعينه غاية المساهمة في حفظ التراث الموسيقي، ووضعه أمام الأجيال القادمة للتعرف إليه والمحافظة عليه بدورها.

“يقال أن الموسيقى لغة عالمية، وأحياناً أنه لا وطن لها، ولكننا نؤمن بأن الموسيقى تحمل مشاعر وتاريخ وأحلام من يؤدونها ومن يستمعون إليهم، وهي بذلك لغةٌ شديدة المحلية. الموسيقى أيضاً أوسع من الحدود السياسية والجغرافية لأنها تنتقل مع البشر، ومع الأدوات التقنية التي يخترعونها، وهي بهذا تعبير انساني يضم ويتخطى الهويات القومية والحدود السياسية”.

هكذا عبّر صنّاع العمل عن رؤيتهم للمشروع. أملاً منهم أن تكون خارطة سوريا الموسيقية مصدراً للاستمتاع والاطمئنان لملايين السوريين، خارج وداخل سوريا، ومورداً لكل محبي الموسيقى السورية، والشرقية بشكل أعم.

الصحافية زينة شهلا عملت ضمن المشروع بمجال البحث والتوثيق، وتسجيل بعض الأغاني التقليدية والقديمة في دمشق وريف دمشق والسويداء ودرعا والقنيطرة.

تقول في حديثها لـ “أرضية مشتركة” إن “المشروع يهدف إلى حفظ جزء من التراث السوري اللامادي من الضياع والاندثار. خاصةً بعد سنوات الحرب وما رافقها من نزوحٍ وتشرد، وبالتالي ازدياد صعوبة الاحتفاظ بالتراث اللامادي والذي يُتناقل عادة بشكلٍ شفهيٍّ بين الأجيال”.

وتضيف: “المشروع هَدَف لتقديم التراث السوري بطريقةٍ جديدة، وتسهيل الوصول إليه من قبل مختلف الشرائح خاصةً الشباب. والإضاءة على أجزاءٍ منسيّةٍ منه، وأيضاً التذكير بالتراث الغنيّ والجميل لسوريا بمختلف مكوناتها ومناطقها الجغرافية”.

المهمة الصعبة.. التوثيق والتحقق

“حاولنا قدر الإمكان أن نفلت من القضايا الموسيقية الخلافية: ما هو التراث الموسيقي؟ ما هو الفرق بين الشعبي والتقليدي والتجاري؟ أين بالتحديد الموطن الأصلي لهذا النوع من الموسيقى أو ذاك؟ وأن ننتصر للقيمة الفنية أولاً”.

هذا ما ذكره القائمون على الخارطة الموسيقية السورية ضمن الملف التعريفي عنه. وهو ما يطرح تساؤلاً حول كيفية التحقق من الأغاني الموجودة في الخريطة، من حيث كلماتها وموطنها الأصلي. طالما أن المشروع تجنب القضايا التي وصفها بالخلافية..

تجيب الصحافية زينة شهلا بقولها “إن موضوع التحقق بالتأكيد ليس سهلاً، وهناك الكثير من الأغاني التي قد لا نتمكن من الوصول تماماً لأصلها. مع الأخذ بعين الاعتبار التناقل الشفهي لها عبر السنوات وتشابه الكثير من الأغنيات، خاصة بين المناطق وحتى البلدان المتجاورة”.

وتكمل: “التحقق كان من مهام الباحثين والباحثات، سواء من خلال البحث المكتبي أو الميداني، ومن ثم عن طريق لجنة من الموسيقيين المختصين”.

من جانبها الصحفية نسرين علاء الدين، وهي من ضمن الباحثات المشاركات في مشروع الخارطة الموسيقية، اعتبرت أن: “التراث المحكي يتم فقده مع تتالي الأجيال، ومع غياب التوثيق. ويتضاعف هذا الخوف مع الحرب، وزيادة حركات النزوح ووجود وفيات كثيرة. وبالتالي فقدان الأشخاص الحاملين لهذا التراث. كما أن الاهتمام بهذا الشأن يصبح خارج دائرة الأولويات في زمن الحروب”.

وعن دورها في المشروع تقول: “قمت بالتواصل لجمع معلومات عن “الموليّا” المنتشرة تحديداً في الرقة ودير الزور، وتمكنت من الوصول لأشخاص مسنّين مازالوا يغنون هذا اللون الغنائي دون إضافات أو تغييرات. كان عملاً شاقاً ولكننا تمكنا من الوصول إلى مجموعة من الأشخاص وحصلنا على تسجيلاتٍ بأصواتهم”.

قيمة التراث اللامادي في بناء السلام

نسرين التي يقول عنها زملاؤها إنها في أي جلسة تدريبية أو حوارية، تكون مشاركةً فيها أو ميسّرةً لها، لا تفوّت فرصةً لتشغيل أغنيةٍ تراثيةٍ من مختلف المحافظات السورية، وتبدي ساعدة غامرة في الاستماع لهذا اللون الغنائي، وترغب في أن يسمعه الجميع. تؤكّد أنه “من المهم جداً الحفاظ على هذا التراث، لأنه من السهل أن يختفي، وأن يُنسب بشكل خاطئ إلى ثقافات أو أماكن أخرى. لأنه جزء من هويتنا في الماضي والتي تؤسس بطبيعة الحال لهويتنا المستقبلية”.

وبالعودة للصحافية زينة شهلا تشير إلى أن: “التراث اللامادي يلعب دوراً لا يستهان به في بناء السلام، وإعادة تذكير الناس بكثير من المشتركات بما يخص ثقافتهم وحياتهم اليومية. والتي تشكل جزءاً هاماً من هويتهم الثقافية”.

وقد لمست زينة الأمر بشكلٍ جليٍّ أثناء عملها على المشروع، واللقاء بالناس، وإعادة تداول بعض الأغاني القديمة.

وتعتقد أن “هذه الأهمية نراها بشكل أوضح في الفترات التي تعقب النزاعات والحروب، والتي يحتاج فيها الناس لروابط أو إعادة تذكر الروابط التي تجمعهم، والتراث هنا له أهميةٌ كبيرةٌ جداً. ربما يكون من الصعب قياس هذا الأثر بشكل دقيق، لكنه أثر تراكمي ومن الضرورة العمل عليه بكل الوسائل المتاحة”.

المشروع الذي شارك فيه موسيقيون وباحثون وبدأ في العام 2018 تم تنفيذه على مراحل. راوحت ما بين البحث وتجميع المواد الموسيقية من داخل سوريا. وما بين مرحلة تسجيل العديد من المقطوعات الموسيقية مع خرّيجي مدرسة “العمل للأمل للموسيقى”.

وهاج عزام

موقع الخارطة:

https://www.syriamusicmap.org/ar/home