“التعافي المبكر” ومقاربته في سوريا

تهدف مشاريع التعافي المبكر في سوريا، لمنع حدوث زيادةٍ أخرى بعدد المحتاجين، والحد من الاحتياجات الإنسانية. من خلال تعزيز الاعتماد على الذات وتحسين رفاه الأفراد والمجتمعات المحلية وتقليل الاعتماد على المساعدة الخارجية.

كثر الحديث عن بدء مرحلة “التعافي المبكر” في سوريا، ضمن المرحلة الثانية من الاستجابة الإنسانية لانفجار 2011، عقب المساعدة الإنسانية. في وقت لم يتم إنجاز تعريفٍ واضحٍ لها في سوريا، في ظل عدم وجود تعريف وتحديد واضح للمفهوم دولياً. حيث يتم التعاطي مع كل أزمة استناداً إلى سياقها المحليّ والدولي.

ويعرّف مكتب الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) “التعافي المبكر” بأنه: “نهجٌ يتناول احتياجات الإنعاش التي تبرز خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية، من خلال استخدام الآليات الإنسانية، التي تتوافق مع مبادئ التنمية… وهذا النهج يمكّن الناس من الاستفادة من العمل الإنساني لاغتنام الفرص الإنمائية، وبناء القدرة على التكيف، وإنشاء عمليّةٍ مستدامة للتعافي من الأزمة”.

التعافي المبكر وإعادة الإعمار

وتذهب بعض المقاربات إلى اعتبار مرحلة “التعافي المبكر” واحدةً من أدوات بناء السلام، لدورها في الحد من العنف. إلا أنّ تلك المقاربة تصطدم بالعديد من العوائق، في حال عدم إنجاز حلولٍ للنزاعات، وتوافقاتٍ بين أطرافها. كالحالة السورية، حيث يتحول التعافي المبكر إلى ملفٍ للتجاذب والمساومة بين مختلف الأطراف، وخاصة في ظل الانقسام الجيوغرافي وتعدد قوى الأمر الواقع. إضافةً إلى عدم وضوح الخط الفاصل بينه وبين إعادة الإعمار، الذي غالباً ما يتم تأجيله إلى ما بعد إنجاز حل الأزمة.

وترى بعض الأدبيات المدنية والناشطين، أنه يمكن تمييز بعض الفوارق ما بين التعافي المبكر وإعادة الإعمار. ومنها أنه يتم تخطيط وتنفيذ الأخيرة بإشرافٍ كليٍّ أو جزئي من الدولة بشكلٍ رئيسيٍ. بينما تكون الكيانات المدنية هي الفاعل الرئيس في تخطيط وتنفيذ عملية التعافي المبكر، وإن تنوعت ما بين منظماتٍ دوليةٍ و/أو محلية. كما يصنف التعافي المبكر كأحد أشكال المساعدات الإنسانية، بخلاف إعادة الإعمار، الذي يعتمد على قروض ميسرة عبر منظمات دولية أو دول. أما تمويل التعافي المبكر فهو عبارةٌ عن منح لا تقتضي السداد. ومن الفوارق الواضحة أن ترتيب استجابة التعافي المبكر من قطاعات وآليات، يعتمد على الاحتياجات المجتمعية المرتبطة بتحقيق وقف العنف، والاستقرار المجتمعي والتنمية. للحد من اعتماد الأفراد والمجتمعات على المساعدات الإنسانية المباشرة، مثل المساعدات الغذائية أو المالية وغيرها.

بناء التعافي المبكر

ويعتمد التعافي على تمكين وتحفيز الأفراد والمجتمعات والمؤسسات المحلية، على المشاركة الفاعلة، والمساهمة بما يمتلكونه من موارد وخبرات ومهارات، للعمل على استعادة حياتهم، التي فقدوها جراء النزاع. ويعود لمنظمات العمل المدني الدور الرئيس في تفعيل أدوارهم، التي تعتبر أحد أهم الروائز لقياس نسبة العافي، الذي قد يطول لسنواتٍ في حال كانت البيئة غير داعمة. وذلك لأسبابٍ عديدة منها استسهال المساعدات المباشرة، وشعور عدم الانتماء أو اللامبالاة، واليأس، وعدم الجدوى وغيرها.

ولا يوجد لليوم وصفةٌ جاهزةٌ لعملية التعافي المبكر، حيث يعتمد الأمر على مقاربة السياقات المحلية والوطنية، مع الهدف العام من العملية. لذلك يمكن اعتبار كل القطاعات متاحةً للعمل والتدخل. طالما أنها ستساعد في تحقيق الأهداف من العملية، وتسمح بخلق فرص ازدهارٍ وتنميةٍ ورفاه في مرحلة مقبلة.

أهداف

وتطرح بعض التجارب أهدافاً يمكن العمل عليها ضمن عملية التعافي، مثل تجربة الإتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر. منها تمكين الأفراد والمجتمعات من سبل العيش وتعزيزها، وهذا يحتاج إلى رؤية استراتيجية متكاملة لمنطقة التدخل لضمان الاستمرار. فمناطق النزاعات تشكل ثقباً أسود للمساعدات المحدودة وتربةً غير صالحةٍ للحلول الفردية الضعيفة.

كما وأن السكن اللائق واحدٌ من أهم عوامل استقرار الأفراد والمجتمعات، إضافةً لبنية تحتيةٍ من الخدمات والمرافق الصحية الجيدة. ويبقى تحسين التماسك المجتمعي وتعزيز أدوار النساء والشباب، الحامل الرئيسي لنجاح عملية التعافي.

حيث يبقى الأفراد والمجتمعات المحور الأهم في التعافي المبكر، الذي يرتبط مستوى وسرعة تحقيقه بوجود برامج منتجة محلياً بشكل تشاركي بين المنظمات والمجتمع. لتترجمها المنظمات المدنية بتشاركيّةٍ عميقةٍ من التخطيط إلى التنفيذ والرقابة. وتدعمها مؤسسات الدولة المحلية والمركزية، حيث تبقى العملية رهن وجود قرارٍ سياسيٍّ بإنجاحها لصالح المجتمع فقط. وهنا يتطلب الأمر أن تغطي تلك البرامج العديد من القطاعات المتكاملة معاً.

الأمم المتحدة والتعافي المبكر في سوريا

ترى الأمم المتحدة أن مشاريع التعافي المبكر في سوريا، تهدف لمنع حدوث زيادةٍ أخرى بعدد المحتاجين، والحد من الاحتياجات الإنسانية. من خلال تعزيز الاعتماد على الذات وتحسين رفاه الأفراد والمجتمعات المحلية وتقليل الاعتماد على المساعدة الخارجية.

ويشمل الدعم الذي تقدمه خمسة مجالاتٍ رئيسية هي: إصلاح وترميم البنى التحتية المدنية الحيوية، وإزالة الأنقاض والنفايات الصلبة. والأنشطة المدرة للدخل وإجراءات التدخل المستندة إلى السوق. والتدريب المهني والتدريب على المهارات. والتماسك الاجتماعي وإجراءات التدخل المجتمعية.

وبينت في تقريرها حول مشاريع التعافي المبكر في سوريا خلال عام 2022، أنها أنفقت 517.6 مليون دولارٍ على مشاريع الإنعاش المبكر التي كانت تنفذ في المحافظات السورية الأربعة عشر. وتم دعم 374 من تلك المشاريع بشكلٍ كليٍّ أو جزئيّ خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني 2022 وحتى نهاية تشرين الأول 2022.

ولفتت إلى أنه ساهم ما لا يقل عن 158 مشروعاً على نحوٍ ما في توفير الكهرباء، لدعم الخدمات الأساسية أو توفيرها على مستوى الأسر. كما تم الوصول إلى أكثر من 2.8 مليون سوري بشكلٍ مباشر، وإلى 8 ملايين آخرين بشكل غير مباشر. وذلك من خلال مشاريع تهدف إلى زيادة القدرة على الصمود في عام 2022. واستفاد 665,024 شخصاً بشكل مباشر من مشاريع الإنعاش المبكر، و4.4 مليون شخص بشكل غير مباشر. وجرى توفير نحو 25,150 فرصة عمل في 14 محافظة، ودعم 22,456 شخصاً في مجال الأعمال، وتركيب 133 نظاماً للطاقة. كما تم إصلاح 202 كيلومتراٍ من الطرق، وإعادة تأهيل 898 حجرة دراسية. وإزالة 171,483 طنا من النفايات الصلبة، و1,472 متراً مكعباً من الحطام، وحصول 138,270 شخصاً على التدريب المهني.

لكن لم تبين المنظمة الأممية، ما أثر تلك التدخلات على حجم احتياجات السوريين. وهل هذه التدخلات تتم عبر خطةٍ استراتيجيةٍ متكاملة، لتحقيق تعزيز الاستقرار لدى السوريين وبناء السلام.

اقرأ أيضاً: ما هو بناء السلام؟؟

هل يمكن بناء السلام؟؟

رواد بلان