تعتبر قضية بناء السلام من أعقد القضايا التي يتم العمل عليها. وخاصة في الدول والمجتمعات، التي فشلت في إدارة نزاعاتها وانزلقت في العنف. بالرغم من أن النزاع أمر طبيعي ناتج عن الاختلاف وهو حالة تنوع غني. إلا أن عدم إدارته بالشكل الصحيح والعمل الدائم على معالجة أسبابها. عبر تعزيز الأمان والعدالة والعيش بسلام. يتسبب بضرب النسيج المجتمعي ومزيق العقد الاجتماعي. الأمر الذي يضع تلك العملة أمام مسار طويل وشاق، في ظل ما يواجه من تحديات.
ويقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بحسب موقع الأمم المتحدة الإلكتروني. إن “الجهود الرامية إلى بناء السلام والحفاظ عليه، ضرورية ليس فقط عندما يندلع النزاع، بل وقبل ذلك بوقت طويل. من خلال منع نشوب النزاع ومعالجة أسبابه الجذرية”. مضيفاً “ويجب علينا أن نعمل معاً بطريقة أفضل على امتداد مسار السلام، مع التركيز على جميع أبعاد النزاعات”.
مفهوم بناء السلام
وإن كان مفهوم بناء السلام، يبدو وضحا عبر ربطه بعدم الوصول إلى العنف. إلا أنه ما يزال مدار بحث ودراسة. ولم ينجز له تعريف يشمل ويحيط بكل جوانبه. فإن كانت الأمم المتحدة عرفته بأنه. “يشمل السلام مجموعة من التدابير، التي تهدف إلى الحد من خطر الانزلاق في نزاع أو العودة إليه. من خلال تعزيز القدرات الوطنية على جميع المستويات لإدارة النزاع وإرساء أسس السلام والتنمية المستدامة.
من جانبها، قالت الاسكوا: إحدى المنظمات الأممية. أنه تم وضع مصطلح “بناء السلام” في الأصل في سياق جهود الإنعاش بعد انتهاء النزاع لتعزيز المصالحة وإعادة الإعمار. وقد اتخذ مؤخرًا معنى أوسع. حيث شمل تقديم الإغاثة الإنسانية، وحماية حقوق الإنسان، وضمان الأمن. وإرساء طرق غير عنيفة لحل النزاعات، وتعزيز المصالحة، وتوفير خدمات علاج الصدمات النفسية. وإعادة اللاجئين وإعادة توطين النازحين داخلياً. ودعم التعليم على نطاق واسع، والمساعدة في إعادة البناء الاقتصادي.
وعلى هذا النحو، فإنه يشمل أيضًا منع النزاع بمعنى منع تكرار العنف، فضلاً عن إدارة النزاع والتعافي بعد النزاع. بالمعنى الأوسع، ينطوي بناء السلام على تحول نحو علاقات سلمية وهياكل إدارة أكثر قابلية للإدارة. وهي العملية طويلة الأجل لمعالجة الأسباب الجذرية والآثار، والتوفيق بين الاختلافات، وتطبيع العلاقات، وبناء المؤسسات التي يمكنها إدارة النزاع من دون اللجوء إلى العنف.
إدارة النزاع
من جانبها، تعرف “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، “بناء السلام بأنه يشمل الأنشطة المعدة لمنع النزاع من خلال معالجة الأسباب الهيكلية والمباشرة المتعلقة بالعنف وتعزيز السلام المستدام ونزع شرعية العنف باعتبار ذلك استراتيجية لتسوية النزاعات وبناء القدرات داخل المجتمع لإدارة النزاعات بالطرق السلمية، والحد من التعرض للمحفزات التي يمكن أن تحرض على العنف.
وقالت ليزا شيرش إن عملية بناء السلام عبارة عن جهود مخصصة لمعالجة الأسباب الجذرية والعوامل المحركة للنزاع أو التي تخفف من حدة النزاع. ويمكن أن يكون هذا قبل حدوث أعمال العنف أو خلالها أو بعدها. وقال يوهان غالتونج بناء السلام هي عملية إنشاء هياكل الدعم الذاتي التي تعمل على “إزالة أسباب الحروب وتقديم بدائل للحرب في الحالات التي قد تحدث فيها الحروب.”
معالجة أسباب جذرية
وبدوره قال معهد السلام الأمريكي، يشمل بناء السلام التحول نحو علاقات وهياكل للحكم أكثر يسرًا وسلمية، وتتمثل في عملية معالجة الأسباب الجذرية وآثارها طويلة الأجل وإصلاح الخلافات وتطبيع العلاقات وبناء المؤسسات القادرة على إدارة النزاعات دون اللجوء لاستخدام العنف.
من جانبها، قالت الشبكة المشتركة لوكالات التعلم في حالات الطوارئ: بناء السلام هو عبارةٌ عن تدابير موضوعة بغرض، تعزيز العلاقات السلمية؛ وتعزيز المؤسسات السياسية والاجتماعية-الاقتصادية والثقافية القادرة على التعامل مع النزاعات؛ تعزيز الآليات الأخرى التي تهيّئ أو تدعم الظروف اللازمة للسلام المستدام. الأنشطة التي تهدف صراحةً إلى معالجة الأسباب الكامنة وراء النزاعات والإسهام في السلام عموماً بهدف العمل على الأمور المتعلقة بالنزاعات من أجل تقليل دوافع النزاعات العنيفة والإسهام بسلام مجتمعي على نطاق أوسع.
منظمة “إنترناشونال ألرت” ترى أن بناء السلام يقوم بشكل أساسي على التعامل مع الأسباب الكامنة وراء اقتتال الناس فيما بينهم في المقام الأول إلى جانب دعم المجتمعات لإدارة خلافاتها ونزاعاتها دون اللجوء إلى العنف، وهو يهدف إلى منع اندلاع العنف الذي يمكن أن يبرز إلى السطح قبل وأثناء وبعد النزاعات وتصاعده واستمراره وتكراره، وهو يُعدّ عملية طويلة الأجل وتعاونية لأنها تنطوي على تغييرات في المواقف والسلوكيات والأعراف والمؤسسات.
ويبقى تعريف بناء السلام مرتبطاً بشكل عميق مع من يعايش الصراع والعنف بشكل مباشر، والقادر على معرفة جذوره وأسبابه. حيث يستطيع تناول المفهوم بشكل معمق انطلاقاً من تجربته المحلية.
فريق التحرير
اقرأ المزيد: