رواد بلان
اليوم يتم طرح سؤال لماذا لا ندع الأمر على سجيته؟ فهي ثلاثة أشهر وبعدها ستكون سوريا كما نحلم. لم التمسك بعملية شرعية للمرحلة الانتقالية تشارك بها جميع القوى والأطياف السورية. تنتج وطناً للجميع ودولةً مدنيةً ركيزتها المواطنة والعدالة وتقديس الحريات العامة والخاصة؟؟
في هذه المقالة دعوة لنحاول معا الإجابة على هذه الأسئلة المفصلية في تاريخ سوريا.
الفترة المؤقتة والعملية الانتقالية
تقف “هيئة تحرير الشام” التي وضعت يدها على الحكم في دمشق، بدعم تركي. وهوية راديكالية لم تنجح في نزعها إلى اليوم، أمام مأزق العمل خارج الشرعية. جراء تفردها بتسمية رئيس حكومةٍ مؤقتة والحديث عن تشكيل لجنةٍ لتعديل الدستور، وإعلان حل الجيش تحت مسمى التسريح. وإصدار أمرٍ بحل الأجسام السياسية المعارضة من الائتلاف والحكومة المؤقتة، إلى هيئة التفاوض. معلنةً احتكار تمثيل الشعب السوري، في بلدٍ متعدد الأديان والطوائف والايديولوجيات السياسية، ودولةٍ مدمرة وجيشٍ منهك واقتصادٍ منهار. ما ينبئ بولادة دولة فاشلة مترنحة تحت ضربات أسافين اشتعال حرب أهلية أو تقسيم.
وتشكل الفترة التي أخذها قائد هيئة تحرير الشام “أبو محمد الجولاني” أحمد الشرع، حتى بداية شهر آذار من العام المقبل. منزلق تكريس حالةٍ غير شرعية كمؤشر عن حالة استبداد جديد. في حال لم يعد إلى الشرعية الدستورية والقانونية والقرار الدولي الخاص بسورية 2254 المدعوم دولياً وعربياً كما ظهر في اجتماع العقبة للجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا مؤخراً. حيث تشكل هذه الشرعية المزدوجة المستند الداعم لمسار العملية الانتقالية. وإلا فنحن أمام تهديد ضرب فرصة استقرار الدولة وشرعيتها وسيادتها وترسيخ عقدها الاجتماعي، الناظم لعلاقة المواطنين والمواطنات مع الدولة.
العملية الانتقالية في المسار الدستوري
يشكل الاعتماد على الأطر الدستورية السد بوجه الفوضى أو النزاعات التي تنشأ نتيجة غياب مرجعية واضحة لتحديد السلطات والمسؤوليات. واليوم بدأنا نسمعها “من أنتم.. ومن فوضكم”. في وقت لدينا مستند مازال نافذاً محلياً ودولياً، وهو الدستور السوري الذي يحدد قواعد العملية. بالاستناد إلى العديد من المواد وعلى رأسها، ما جاء في المادة 50 بأن “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة”. والمادة 93 التي تبين آلية العمل بظل فراغ رئاسة الجمهورية، والتي تنص على أنه “في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية أو عجـزه الدائم عن أداء مهامه. يتولى مهامه مؤقتاً النائب الأول لرئيس الجمهورية لمدة لا تزيد عن تسعين يوماً من تاريخ شغور منصب رئيس الجمهورية، على أن يتم خلالها إجراء انتخابات رئاسية جديدة”.
كما تدعم الرؤية القانونية للعملية الانتقالية في سوريا، خيمة الشرعية الدولية الممثلة بالقرار 2254. وخاصة البند الرابع، الذي أكد على دعم مجلس الأمن لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيمها. في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر. حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد”.
وتتعرض الفصائل التي دخلت دمشق من الشمال والجنوب. إلى اختبار مفصلي فهل تنجح بالتمسك بسيادة القانون المحلي والدولي؟! الأمر الذي فشل به الأسد، ما سبب كل هذا العنف والانتهاكات. وضرب مشروع الدولة الذي دفع الشعب السوري ثمنه غاليا طوال عقود، من خلال دعم الفصائل وعلى رأسها مهمة المبعوث الدولي الخاص بسوريا غير بيدرسون. لتطبيق القرار 2254، المدعوم بتوصيات اللجنة العربية للتواصل. والتي من المرجح تأييدها من قبل القمة العربية المزمع عقدها قريباً. وبالتالي الحصول على حاضنة عربية لمسار العملية الانتقالية.
العملية الانتقالية في المسار الدولي
يبدأ مسار إنجاز العملية الانتقالية، من نقل مقر المبعوث الدولي إلى دمشق. والمطلوب منه إجراء مشاورات مكوكية بين الأطراف السورية والدولية. والتحضير لمؤتمر حوار سوري سوري، وتيسير تشكيل هيئة حكم انتقالية تمثل جميع القوى السورية وأطياف المجتمع السوري. تتم تسميتها بمرسوم يصدر عن نائب رئيس الجمهورية. يقره مجلس الشعب الحالي، ينص على صلاحياتها وخاصة بما يتعلق بإنتاج دستور جديد يعبر عن تطلعات السوريين. ووضع قانون انتخاب عصري. يتم عقبها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية. تحت رقابة منظمات المجتمع المدني والأمم المتحدة، خلال جدول زمني يتفق عليه.
جاءت مخرجات لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا السبعة عشر. لتدعم مسار العملية الانتقالية كما ورد في 2254، وخاصة عبر تأكيدها ببندها الأول على “الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق. وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته”. ومحدداتها عبر البند الثاني بأنها تـ”دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية-سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ وأهدافه وآلياته. بما في ذلك تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري. والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد. يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استنادا إلى دستور جديد يقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار”.
خلاصة
واقع المنطقة القلق من انفجار حرب أهلية أو المهدد لوحدة سوريا. يجعل من غير المرجح دعم المجتمع الدولي أي عملية خارج الشرعية، قد تقودنا لاحتكار السلطة، من قبل فصائل منتشيه بانتصار مازال يدور حوله الكثير من إشارات الاستفهام. كما أن انصياع مجتمع منهك، مشهد خادع لمن يعتقد بأن المجتمع السوري المتنوع حد التعقيد والميال إلى المدنية واحترام الحريات تاريخيا. قد يقبل بانفراد حكم راديكالي إقصائي بسبعة ألاف عام من الحضارة. موقفه مريب من حقوق الإنسان والنساء والمواطنة وعدم التمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة.
اليوم نتعرض جميعاً لاختبار شديد الحساسية، فصوت كل مواطن ومواطنة وكل قوة سياسية ومدنية واجتماعية سيكون له دور في رسم مستقبل سوريا وشعبها. ما يجعل الإصرار على تشكيل هيئة حكم انتقالية تشاركية تمتلك الشرعية الدولية والمحلية، تهيئ البيئة الأمنة المناسبة لمشاركة السوريين بتقرير مصيرهم، ما يشكل طوق النجاة لمستقبل كل مواطن ومواطنة سورية.
المزيد:
اجتماعات العقبة بشأن سوريا تدين التوغل الإسرائيلي وتؤكد دعم الانتقال السلمي