تكلّف دعوى نفقة الأطفال بعد الانفصال أكثر من قيمة النفقة بحد ذاتها. إذ لازالت المبالغ التي يعطيها الآباء لأبنائهم بعد حدوث الانفصال، أو مغادرة الزوجة للمنزل، تعتبر أرقاماً زهيدةً. فهي لا تتجاوز في أحسن أحوالها 50 ألف ليرة سورية إذا لم تتمكن الزوجة من إثبات يسر الحالة المادية للزوج.
ويعاني كل الأطراف في العلاقة من تبعات الانفصال مع وجود أطفال، سواء الزوج أو الزوجة أو الأبناء. حيث تضطر الزوجة، إذا كانت غير منتجة، أن تطلب نفقةً من الزوج بالتراضي دون اللجوء إلى المحاكم. إلّا أنه إذا امتنع عن دفعها، فلن تحصل إلا على القليل من المال الذي لا يعيل شخصاً واحداً لأكثر من يومين أو ثلاثة.
النفقة
يفرض قانون الأحوال الشخصية على الزوج نفقةً لزوجته ولأطفالهما، طالما مازالت هي في بيت الزوجية. أما إذا غادرته بإرادتها، ودعاها الزوج “للمتابعة الزوجية” ورفضت، فإنها تُحرم من نفقتها، لأنها توقفت عن “أداء واجباتها الزوجية”. لكنه يبقى ملزماً بتقديم النفقة لأطفاله.
وتحدث الإشكالية في تحديد مبلغ النفقة استناداً إلى الحالة المادية للأب. ففي حال كان متزوجاً مرة أخرى ويعيل أسرةً ثانية، أو أنه معيل لوالديه، أو إذا كان دخله عالياً، يكون مبلغ النفقة زهيداً جداً لا يتجاوز 10-20 ألف ليرة سورية.
وهذا ما حدث مع محمد -الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً- والذي يقول أن: “زوجته غادرت المنزل بعد خلاف بينهما، وأخذت معها طفلتهما التي كانت تبلغ من العمر حوالي سنةً ونصف. وحرمته من رؤيتها حتى يدفع نفقة تقارب الـ 300 ألف ليرة سورية، وإن لم يدفع لن يرى طفلته إلا عن طريق مركز اللقاء الأسري أو ما يعرف بـ (الإراءة)”.
الإراءة
الإراءة إجراءٌ قانوني، يُسمح من خلاله للآباء أو الأمهات المنفصلين أن يروا أطفالهم في زمان ومكان محدّدين. وغالباً ما يكون المكان في المحكمة وضمن ظروف ليست مثاليةً، أي أن على الأب أو الأم الانتظار في الطابور ليتمكنوا من رؤية ابنتهم أو ابنهم.
يصف محمد، الذي لم يرَ طفلته منذ حوالي الأسبوع من حديثنا معه، ما تفعله زوجته بأنه مقايضةٌ للحصول على المال مقابل رؤية طفلته. مؤكداً أنه حاول التوصل إلى حلٍ للخلاف بينهما وإعادة الأمور إلى طبيعتها ولكنها لم تستجب. مما دفعه لرفض دفع النفقة نظراً لأسلوب الزوجة في التعاطي مع المشكلة حسب تعبيره.
تعتبر المحامية “نور سته جي” في حديثها لـ “أرضية مشتركة” أن موضوع النفقة غير منصف بالنسبة للزوجين وهي إشكالية يدفع ضريبتها الأطفال بشكل أساسي.
وعن “الإراءة” أكدت “سته جي” أنه من خلال خبرتها فإن هذا الخيار يتم اللجوء إليه بعد عدم التوافق على حل مرضٍ للطرفين. إلا أنه لا يستمر لوقت طويل لعدم قدرة الزوجين على تحمل ظروفه، إذ يخضع لشروط صارمة. وعلى سبيل المثال في دمشق هناك مراكز للإراءة، بينما في الأرياف لا يوجد، فيتم اللجوء إلى المحكمة كمكان للقاء، وهذا ما لا يعتبر مستحباً لدى الآباء والأمهات.
مناكفة
وبالعودة لقصة “محمد”، لم نتمكن من الحديث مع الزوجة لسماع وجهة نظرها، لأنها ترفض كل ما هو من طرف زوجها. إلا أنه ومن خلال الحديث مع الزوج والمحامية، أفادا بأن الزوجة لم تغادر المنزل لمرة واحدة فقط، بل تكررت هذه الحادثة عدة مرات. وكان يتم حل المشكلة باتصال هاتفي من الزوج يطلب فيه عودتها، إلا أن الأمور لم تجر في المرة الأخيرة كما هي العادة.
واضطر محمد لأخذ ابنته رغماً عن أمها في عيد الفطر المنصرم، لأنها حرمته من رؤيتها في هذه المناسبة الخاصة حسب تعبيره. كما أنها ادعت قيامه بضربها وأخذ الطفلة بالقوة. في حين أكدت المحامية “سته جي” أن هذا الأمر لم يحدث. وإنما كانت محاولةً منها للضغط لاستعادة طفلتها في أسرع وقت.
الزوجة تبلغ من العمر 23 عاماً فقط، أي أنها تزوجت في سن الـ 20. وزوجها الذي يكبرها سناً بحوالي 8 سنوات، اعتبر أن سبب مغادرتها للمنزل “تافه”. إلا أننا لم نستمع للقصة من جهتها، وكنا نأمل ذلك، فربما تعرضت لظروفٍ قاسيةٍ، أو أن الزواج لم يكن أساساً أحد خياراتها المدروسة. فيمكننا افتراض أنها لم تخضع لتوعيةٍ كافية حول مسؤولية الزواج وإنجاب طفل، فهل يمكن إلقاء كل اللوم على هذه الشابة؟!
غياب المشاركة
ويختلف الأمر في قصة الشابة رؤى سليمان (اسم مستعار). والتي كشفت عن معاناتها مع زوجها طيلة السنوات الست التي عاشت فيها معه في بيت قروي بسيط. تشرف فيها على تربية طفليهما جود “4سنوات”، وغالية “سنتان”، دون أي مساهمةٍ من الزوج في العملية التربوية. وإنما هو يكتفي فقط بالحصول على “حقوقه” الزوجية في الفراش آخر الليل، حسب وصف رؤى.
قررت الشابة العشرينية مغادرة المنزل والالتجاء رفقة أطفالها إلى منزل أحد أقاربها في محافظة حمص. ليقرر زوجها بعد ذلك أن يتم الطلاق بينهما، دون الاكتراث بحالها وحال الأطفال، ورافضاً إعطاءها أية نفقة للأطفال، أو التكفل بطبابتهم وحاجاتهم الأساسية. حتى يجبرها على العودة إلى المنزل والقبول بكل الظروف التي تصفها بالقاهرة والمذلّة. فهي تعمل طوال اليوم في المنزل، وترعى أطفالها، دون أي تقديرٍ أو احترام، وفقاً لحديثها.
بالنظر إلى هاتين القصتين، لا يفيد إلقاء اللوم الآن على أي من الطرفين، فهناك ضحيةٌ لا يمكن الاختلاف على مظلوميتها. وتتمثل بالأطفال الذين ربما ما زالوا رضّعاً، أو أنهم لم يبلغوا من العمر إلا سنتين، ويعيشون ظروفاً غير طبيعية. بين أبٍ يرفض دفع نفقتهم بسبب أسلوب الأم بطلبها، ولاعتقاده أنها لن تحسن التصرف بالمبلغ، وبين أمٍّ غادرت منزلها عدة مرات، ولم تعد في الأخيرة، ولم تحسب حساب ما سيحدث لطفلتها. وغيرها من القصص والتفاصيل التي تُظهر الحاجة لوجود نصٍّ قانونيٍّ منصفٍ يحفظ حقوق الزوجين والأبناء.
وهاج عزام