في حقبات النّزاع أو الحكم الاستّبدادي، غالباً ما تُمسي النساء هدفاً لانتهاكات حقوق الإنسان. بسبب نوعهن الاجتماعي والتًهميش الذي يعانينه في مجتمعات شتى. فقد تتعرض النساء للعنف الجسدي والعنف الجنسي، وحتى العنف السيبراني، ولانتهاكات أخرى تنال منهنًّ، وكذلك لممارسة التًّمييز الاجتماعي والاقتصادي بحقّهن. ومن المهم أثناء التحولات السياسية التًركيز على حقوق المرأة والمساواة الجنًدرية ومبدأ عدم التًمييز على أساس الجندر ومعالجة ذلك التًمييز وتحقيق العدالة الجنًدرية.
العدالة الجندريّة
هي العدالة في التعامل مع كلٍ من الرجال والنساء، وبناء الاحترام الكامل لاحتياجاتهم/ن. ويتضمن ذلك تعاملاتٍ عادلة أو تعاملاتٍ مختلفة. لكنها تعتمد على المساواة في الحقوق والواجبات، والمكتسبات والحريات وكذلك في الفرص.
لكن مازالت النساء في أنحاء العالم، مواطناتٍ من الدّرجة الثّانية، وذلك نتيجة ثقل علاقات السلطة الجندرية، التي تشكل بنية مجتمعاتنا، من ثقافة ودين وتقاليد. وفي الواقع، جميع المجتمعات والنّظم السياسة، مؤطّرةٌ ومشكّلةٌ بقيمٍ وبنى تمييزية، وكذلك بمواقف اجتماعية وثقافية تضع عقبات مهمة أمام إنجازات النّساء، وتمتّعهنّ بحقوقهنّ الإنسانية الأساسية. كما أن السّبب الجذّري للعنف ضد النّساء والفتيات هو عدم المساواة بين الجنسين. والنّساء ذوات الهويات المهمشة اجتماعياً هنَّ الأكثر عرضة للعنف.
ومن أكثر أشكال العنف انتشاراً ضد المرأة ” العنف السيبراني “، الذي يأخذ أبعاداً عالميةً، ويعتبر أحد أشكال العنف الآخذة بالتزايد. وغالباً ما يستهدف النساء والفتيات بسبب طبيعتهن البنيوية المرتبطة بالنوع.
العنف السيبراني ضد النساء
يوضح تقرير المعهد الأوروبي للمساواة الجنّدرية European institute for Gender Equality، الصادر عام 2017 م، أنّ العنف السيبراني ضد النساء والفتيات لم يحدد له مفهوم واضّح بشكل كامل، كما أنّه لا يوجد تشريع أوروبي قانوني للتعامل معه.
وتكمن المشكلة في الوصول إلى تعريفٍ محدد للعنف السيبراني ضد النساء أولاً، لأنّ مفهوم العنف السيبراني ذاته لا يزال في حاجة إلى وضع إطارٍ واضحٍ له، في شيوع عدم الاعتراف بأن الأفعال الممارسة من خلال الوسائط الإلكترونية، وفي مقدمتها شبكة الإنترنت، يمكن اعتبارها عنّفاً بالمعنى الدّارج.
وفقاً لاتفاقية إسطنبول (المادة ه) العنف ضد المرأة هو جميع أعمال العنف القائم على النّوع الاجتماعي التي تؤدي أو من المحتمل أن تؤدي إلى أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية أو اقتصادية للمرأة. بما في ذلك التّهديد بمثل هذه الأعمال: الإكراه أو الحرمان التّعسفي من الحرية سواء حدَّ ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
يتّخذ العنف من خلال أدوات التّكنولوجيا الرّقمية أشكالاً عديدة مثل:
التّحرش الإلكتروني وتشويه السّمعة، و”البورنو الانتقامي” الذي يتضمن نشر الصور الحميمية دون رضا الضّحية، التي تظهر في هذه المواد من قبل شريكٍ حميميٍ سابقٍ أو حالي. أو عن طريق اختراق حاسوب الضّحية من قبل أشخاص مجهولين غير معروفين بالنسبة للضحايا. والتّهديد بالاغتصاب أو الاعتداء الجنّسي أو القتل. والهدف منه إحداث ضرر حقيقي لحياة الضّحية في العالم الواقعي غير الافتراضي. ويستهدف العنف الالكتروني بشكل خاص المدافعات عن حقوق المرأة والصّحفيات والمدوّنات والشّخصيات العامة والسّياسية.
توعية.. ضمانات.. جزاءات
تعتمد التّوصيات التي جاءت في تقرير فريق العمل المعنّي بالمساواة بين الجنسين، التّابع للجنة النّطاق العريض، على ثلاثة مبادىء وهي:
التّوعية والضمانات والجزاءات.
أولاً: التّوعية العامة
بمنع العنف السيبراني ضد النّساء والفتيات، من خلال تغيير السّلوكيات الاجتماعية. وذلك بمنع المجتمع لجميع أشكال العنف السيبراني ضد النّساء والفتيات. من خلال التّدريب والتّعليم وحملات التّوعية وتطوير المجتمع، وقيام العدالة والأمن، والشّرطة بأدوارها. وإدماج الشّواغل المتّعلقة بالعنف السيبراني ضد النّساء والفتيات في جميع الدّورات التّدريبية الأمنية الجنائية النسائية.
ثانياً: الضّمانات
- الإشراف والرّصد للحد من المخاطر التي تتعرض لها النّساء والفتيات.
- حرص دوائر الصّناعة على صيانة بنية تحتيّة للإنترنيت تتسم بالمسؤولية وممارسات رعاية العملاء، وضع حلول تقّنية
- تعزيز الاحتياط الواجب ووجوب التّبليغ عن إساءة الاستعمال.
ثالثاً: الجزاءات
- تكييف وتطبيق القوانين والقواعد التّنظيمية.
- وضع قوانين وقواعد تنظيمية وآليات إدارية. وإنفاذ المحاكم والأنظمة القانونية للامتثال للقواعد ذات الصّلة وتطبيق إجراءات فعلية على الجناة.
- عمليات التّشاور بشأن وضع برنامج للحقوق المدّنية السيبرانية.
توعية النّساء بحقوقهن القانونية وفق القانون السوري
استناداً إلى القانون رقم 20 لعام 2022 الخاص بتنظيم التّواصل على الشّبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، وفي المادة 26 الفقرة ب تحت عنوان جرائم المساس بالحشمة والحياء. جاء النص على: عقوبة الحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات وغرامة من 3 مليون ليرة سورية إلى 4 مليون ليرة سورية كل من هدد بالنشر أو نشر على الشّبكة صوراً ثابتة أو متحركة أو محادثات أو تسجيلات صوتية منافية للحشمة أو الحياء عائدة لأحد النّاس، ولو حصل عليها برضاه وتشدد العقوبة لتصبح السّجن المؤقت من 5 سنوات إلى 7 سنوات وغرامة من 4 مليون إلى 5 مليون إذا وقع الجرم على قاصر .
كما نصّ قانون العقوبات السّوري في المادة 560 منه: تكون العقوبة الحبس من سنتين إلى 3 سنوات كل من يتوعد الآخر بارتكاب الجنايات الخطيرة مثل التّهديد بالقتل العمد أو القصد.
تحقيق العدالة الجنّدرية ومنع العنف ضد المرأة يساهم في عملية بناء السلام
دور المرأة في بناء السلام وصناعته ليس شكلياً، ونجاح المرأة دبلوماسياً وفي الميدان، وتحديداً مع قوات حفظ السلام، لا يمكن تجاهله، وهو مدعاة للفخر. لأن المساواة الجنّدرية في قوات حفظ السلام هي رسالة قوية للمجتمعات، لتحث على ضرورة التّمسك بالمساواة، التي ينبغي أن تتمتع بها مكوّنات الشّعوب كافة، كونها إحدى الوسائل التي يمكن أن توقف العنف في المجتمعات وتفرض السّلام بين البشر.
المساواة والعنف يتناسبان عكساً، فكلما ساد تطبيق المساواة انخفض العنف بكّافة أشكاله. المنّزلي والمجتمعي، والممارس في الحروب لذلك فإن تحقيق المساواة يعد أحد أهداف التّنمية المستدامة لمستقبل أفضل للبشرية.
نور شمس