مفهوم حقوق الإنسان 

تشكل حقوق الإنسان ضماناتٍ قانونيةً عالمية، يمكن من خلالها حماية الأفراد والمجموعات من إجراءات حكوماتها، التي تقوم بالتدخل في الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية. والقانون الدولي يمنع هذه الحكومات من القيام بأمور معاكسة لما ورد فيه، وهذه الحقوق للجميع بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو العرق…

“لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم أو تنمية مستدامة دون احترام حقوق الإنسان”.

مؤتمر فيينا 27/6/1993

مفهوم حقوق الإنسان

الحق لغة: هو نقيض الباطل والبهتان والكذب وهو الشيء الصحيح الثابت، ولا يشوبه التزييف، كما أن الحق هو الثبوت والوجوب أيضاً، وذلك يعني ثباتَ وجوده ووجوبَ وقوعه.. كما يشير الحق إلى صدق الشيء واليقين به.

والحق اصطلاحاً: يعني إرادة الفرد، وهو حاجة يتيحها له القانون، ويشكل قيماً يمكن للفرد الإيمان بها وممارستها دونما اعتراض. كما أنه مصلحة ثابتة للفرد يقرها الدين والقانون وفيها منفعته.. وبالتالي الحق هو ما يجوز للفرد العمل به ولا يحاسب على تركه شريطة عدم استعماله بطريقة تعسفية.

وقد عرفه المذهب الفردي بأنه مكنة أو سلطة يمنحها القانون للفرد أو مصلحة يقوم بحمايتها. أما المدرسة الواقعية أو الاجتماعية فقد ركزت على فكرة المركز القانوني محلَّ فكرة الحق الفردي، وقد أثمرت جهود هذه المدارس من الحد من المذهب الفردي في مفهوم الحقوق.

وبالرغم من تلك الاتجاهات إلا أن التعريف الراجح للحق هو أنه سلطة أو مكنه يمنحها القانون لشخص أو مجموعة من الأشخاص يعترف بها القانون ويوفر لها حماية. ويلاحظ من التعريف أعلاه أن الحق يعبر عن سلطة يعترف بها القانون ومن ثم يحميها وتتمثل الحماية باللجوء الى القضاء فالحق الذي لا تحميه دعوى لا يستحق أن يحمل هذا الوصف، إلا أن نطاق الحماية القانونية لهذا الحق يرتبط بالاستخدام المشروع له، وإلا يصلح عرضة للمساءلة القانونية. لذلك يجب ألا يتعارض هذا الاستخدام مع مصلحة المجتمع وألا يتعدى حدوده المرسومة ولا يتجاوز نطاقه المشروع.

الإنسان اصطلاحاً: مفهوم الإنسان هنا نابع من الطريقة الخاصة بالتعامل، والعلاقات الاجتماعية وبشكل خاص السلوك، فالإنسان هو الكائن الحي القادر على التغيير والمسؤول عن أفكاره وآرائه الخاصة ويتصف بانفتاحه على الآخرين وقدرته على الاندماج والاختلاط معهم.

فيكون مفهوم حقوق الإنسان حسب ما سبق: الإمكانات والرخص المتاحة للفرد والتي تحمي كرامته وتساهم في تقوية شخصيته وإثبات وجوده وتحقق ازدهاره. والمطالب التي يجب توفيرها لجميع الناس دون أي تفرقة. وتعبر حقوق الإنسان عن الحريات التي يمتلكها الفرد وتحميها المواثيق والقوانين الدولية وهي الضمانات التي تحمي الأفراد من التعرض للظلم والتفرقة والانتهاك.. وهذه الحقوق ملك لكل البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأصولهم وأديانهم وكل ما يتعلق بهم، وهي متعددة منها الشخصية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.

تعاريف

عرفها السيد فودة بأنها: “تلك الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، لمجرد كونه إنساناً، وهذه الحقوق يُعترف بها للإنسان بصرف النظر عن جنسيته أو ديانته أو أصله العرقي أو القومي أو وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي، وهي حقوق طبيعية يملكها الإنسان حتى قبل أن يكون عضواً في مجتمع معين فهي تسبق الدولة وتسمو عليها”.

وعرفتها ليا ليفين Leah Levin بأنها: “مطالب أخلاقية أصيلة وغير قابلة للتصرف مكفولة لجميع بني البشر بفضل إنسانيتهم وحدها، فُصِّلَتْ وصيغت هذه الحقوق فيما يعرف اليوم بحقوق الإنسان، وجرت ترجمتها بصيغة الحقوق القانونية وتأسست وفقاً لقواعد صناعة القوانين في المجتمعات الوطنية والدولية، وتعتمد هذه الحقوق على موافقة المحكومين بما يعني موافقة المستهدفين بهذه الحقوق”.

وعرفها جابر الراوي بأنها: “الحقوق التي تهدف إلى ضمان وحماية معنى الإنسانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

حقوق الإنسان تاريخياً

قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين منا أن حقوق الإنسان لم تولد أو توجد إلا بوجود الإعلان العالمي في العام 1948، ولكن هذا الكلام ليس بدقيق تماماً، فالإعلان يعتبر بمثابة التدوين الحقيقي لهذه الحقوق وتقنينها وتفنيدها والمطالبة بها، ولكن قبل الوصول لهذه الحالة المقننة والعالمية مرت البشرية بالكثير من الأحداث عبر التاريخ..

ففي العام 539 قبل الميلاد قام قورش العظيم باحتلال بابل، ولكنه قام بتحرير كل العبيد وترك لهم حرية اختيار دينهم أياً كان، وهو ما تم توثيقه على اسطوانة أو منشور قورش، والتي تعتبر أقدم شريعة لحقوق الإنسان والتسامح بين الأديان. ثم تلت ذلك ديمقراطية أثين في العام 479 قبل الميلاد والتي تعني “حكم الشعب لنفسه”. وفي العام 272 ق.م ظهرت مراسيم أشوكا الذي تحول من محارب تابع للديانة البرهمية إلى مؤمن بالديانة البوذيةـ وأهم ما فيها نبذ العنف سواء على الإنسان أو الحيوان، مما أدى به إلى بناء مستشفيات تعالج كليهما.

ثم في الدين المسيحي جاء ما يمكن وصفه بالدستور الأخلاقي والمعيار السلوكي للمؤمنين به. لتأتي بعد ذلك صحيفة المدينة في العام 622 ميلادية، والتي تضمنت 52 بنداً لتنظيم العلاقة بين جميع الطوائف والأديان والجماعات في المدينة، وكفلت حقوق الإنسان، مثل حق الاعتقاد وممارسة الشعائر وكذلك أقرت المساواة بين الناس. وفي العام 1215 صدرت وثيقة الماغنا كارتا التي اعتبرت الميثاق العظيم للحريات في انكلترا.

وهكذا مرت حقوق الإنسان بالكثير من التطور والمواثيق والأفعال، حتى تشكيل عصبة الأمم المتحدة للحفاظ على السلام العالمي، بعد مؤتمر باريس للسلام عام 1919، ومن ثم ميثاق الأمم المتحدة في العام 1945، والذي يعلن أن أحد مقاصد الأمم المتحدة يتمثل في تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع وتشجيعها. وقد انبثق عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر/1948، نتيجة جهود مجموعة من الشخصيات مثل اليانور روزفلت وشارل مالك ورينيه كاسمان وبيغ شون شانغ وجون هيمفري.. وهذا الإعلان هو أول وثيقة عالمية مكتوبة تبنتها الأمم المتحدة وأقرتها الجمعية العامة، وتضم 30 مادة تحمي وتكفل حقوق الإنسان دونما تمييز، وتشمل جميع أوجه الحياة ففي المادة الأولى منه مثلاً يرد القول الشهير: “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق”.

وقد جاء في ديباجته: “إن الجمعية العامة، تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم، حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات، عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطّردة قومية وعالمية لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها”. 

خصائص حقوق الإنسان

  1. ثابتة لكل إنسان بمجرد الولادة وليست منحة من أحد ولا يمكن انتزاعها.
  2. لا تقبل التصرف أو التنازل عنها أو بيعها مثلاً.
  3. متكاملة غير قابلة للتجزئة، أي أنها كلٌ كامل مترابط وقد يتوقف إدراك بعضها على إدراك البعض الآخر.
  4. شمولية فهي تتضمن قضايا تتعلق بالديمقراطية والتنمية والعدالة الإنسانية وحقوق النساء والأطفال….
  5. متطورة ومتجددة ومتغيرة فهي تواكب تطورات العصر في تجذرها وتجددها لتشمل مختلف مجالات الحياة.
  6. لها طابع الكونية والعالمية سواء من حيث التكوين أو النشأة حيث ساهمت جميع الحضارات في تكوين هذه الحقوق، أو من حيث التطبيق فهي للبشر جميعاً دون تمييز بينهم على أي أساس كان، أو من حيث الحماية حيث أن هناك ضمانات قانونية عالمية يمكن من خلالها حماية الأفراد والمجموعات من مساس حكوماتها بحقوقهم..

حقوق الإنسان تشكل ضماناتٍ قانونيةً عالمية، يمكن من خلالها حماية الأفراد والمجموعات من إجراءات حكوماتها، التي تقوم بالتدخل في الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية. والقانون الدولي يمنع هذه الحكومات من القيام بأمور معاكسة لما ورد فيه، وهذه الحقوق للجميع بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو العرق…

فإلى غد يمارس فيه الجميع نفس الحريات ويتمتع بنفس الحقوق.

فريق التحرير