مفاهيم دستورية ونبذة عن تاريخ الدساتير السورية

الدستور هو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد نظام الحكم، وشكله في الدولة. ولكل دولة دستورها سواء أكان مكتوباً أم غير مكتوب، وله عدة تسمياتٍ أو أوصاف منها الدساتير المؤقتة والدائمة والمرنة والجامدة. وقد مرت الدساتير السورية برحلة طويلة توالت عليها مختلف أنواع وأشكال الدساتير.

بدايةً لا بد من الإشارة إلى أن كلمة دستور أو (دست) هي كلمة معربة عن اللغة الفارسية، وكانت تطلق على الشخص الممارس للسلطة. واقترنت هذه التسمية سابقاً بكهنة المعبد، فجمعوا مع السلطة توقير الناس لهم. وربما دخلت إلى اللغة العربية في مرحله مبكرة بمعنى الرياسة والحكمة.

ومنذ أيام الفلاسفة اليونانيين، وفكرة العقد الاجتماعي، ما برحت تتعرض للنقد. ولكن كانت هذه الفكرة عاملاً للحرية في تطبيقها، وفي استخدامها للدفاع عن قضية الحرية بكل أشكالها. وكانت وما زالت فكرة العقد الاجتماعي تعبر عن قيمتين أساسيّتين سيظل العقل الإنساني يتعلق بهما دائما وهما:

1_قيمة العدالة أو فكرة أن الحق لا القوة هو أساس كل مجتمع وأساس خطة كل نظام سياسي.

2_قيمة الحرية أو فكرة أن الإرادة لا القوة هي أساس الحكم واستمراره. وهذا يعني أن الحاكم إذا تجاوز أو خرق أو خرج بأية صورة كانت، على حدود العقد الذي تم انتخابه واختياره بمقتضاه، فانه بذلك يُحل الناس من التزام الخضوع.

بعض المفاهيم الدستورية

وقد جاء في مبادئ السياسة للفيلسوف اليوناني أرسطو تمييزٌ واضحٌ بين الملك والطاغية. وأن تأييد حق الشعب (الجماهير) ليس في انتخاب واختيار الحاكم فقط، وإنما في محاسبته في حال ارتكاب الأخطاء والمخالفات.

وعند الرومان القدماء فان القانون هو ما وضعه الشعب الحر، وإن أي قانون لا بد أن يصدر عن الشعب وأن يكون متفقاً عليه.

وفي سنة 1250م كتب القديس “توما الأكويني” في نظام الأمراء أن الحكومة يؤسسها المجتمع وله أن يعزلها، أو أن يحد من سلطتها إذا طغت. ويضيف أن الحاكم الطاغية يستحق ألا تحافظ رعيته على العقد المبرم بينه وبينهم.

أما في بريطانيا حيث الحياة البرلمانية العريقة، والتي تحكمها تقاليد وأعراف مجلس العموم منذ حوالي 800 عام بقيت دون دستور مكتوب إلى يومنا هذا.

وفي منطقتنا العربية وبعد استلام محمد علي باشا زمام الحكم في مصر بدأت المباحثات والمشاورات سنة 1808م في الأستانة، لوضع قانون أساسي ينظم شؤون السلطان والسلطة تحت مسمى (سند الاتفاق). وفيه يكون الولاء للسلطان مع تعزيز منزلة السلطة (الحكومة)، وقد تم إشراك الأعيان ورجال الدولة في هذه المداولات، وأطلق على هذا الاتفاق (سند اتفاق).

وحيث أن الأنظمة العربية نالت استقلالها، فإن من واجبها أن تؤسس حكماً على قاعدة نظرية العقد الاجتماعي. ووفق القضية التي تبحثها تلك النظرية وتتمثل في: “البحث عن أساس للمجتمع المدني، وأن العقد الاجتماعي هو عقد اختياري تفرض فيه بعض القيود على القانون الطبيعي”.

مع الأخذ بالاعتبار أن الدستور المكتوب هو الصيغة القانونية للعقد الاجتماعي والذي يقوم على مبدأين:

  • عقد الحكم أي أن الدولة تقوم على عقد بين السلطة والمواطنين وما بين الحكم والحاكم والشعب.
  • عقد المجتمع أي يجب أن تكون هناك جماعة مترابطة فعلاً، بفضل إرادةٍ اجتماعيةٍ مشتركة. وكذلك سلطةٍ مفترضة على استعدادٍ لتحمل أعباء الحكم بالاتفاق مع هذه الإرادة.

الدستور “Constitution”

هو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد نظام الحكم، وشكله في الدولة. ولكل دولة دستورها سواء أكان مكتوباً أم غير مكتوب، وله عدة تسمياتٍ أو أوصاف منها الدساتير المؤقتة والدائمة والمرنة والجامدة.

الدستور المؤقت: هو الدستور الذي تعمل في ظله الدولة لفترة محددة على سبيل التجربة والاختبار. وغالباً ما يكون على إثر انقلابات سياسية، أو عسكرية أو تحولات خطيرة في أنظمة الحكم والدولة. ريثما يتسنى للسلطة الحاكمة وضع دستور دائم تقره المؤسسات المختصة الصالحة.

الدستور المرن: هو الدستور الذي يجوز تعديله بقانون تصدره الهيئة التشريعية أو الهيئة التنفيذية في الدولة دون الحاجة لإجراءاتٍ معقدة وخاصة.

الدستور الجامد: هو الدستور الذي يتطلب تعديله إجراءاتٍ معقدةً، مثل استفتاء الشعب، أو إجماع مجلس النواب أو أغلبية الثلثين أو الثلاثة أرباع.

الاستفتاء الدستوري

هو طريقة من طرق وضع الدساتير المكتوبة، حيث يتم عرضها على الشعب لاستفتائها عليه. فإن وافقت الأغلبية على الدستور ينفذ ويصدر، مثال (دستور فرنسا 28/9/1958 أو ما يسمى دستور ديغول).

دستورية القوانين

وهي ضرورة مطابقة القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية لنصوص الدستور المكتوب، نظراً لعلوية الدستور على غيره من القوانين. فإذا صدر تشريع مخالف لمادةٍ في الدستور يعتبر تشريعاً غير دستوري ويجب الامتناع عن تطبيقه.

تاريخ الدساتير السورية

منذ أكثر من مائة عام توالى على سوريا أربعة عشر دستوراً دائماً ومؤقتاً.

  • القانون الأساسي للمملكة السورية، في العهد الفيصلي من 30/9/1918 وحتى 24/7/1920، وذلك بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية. وكان مؤلفاً من 147 مادة.
  • دستور (دولة سوريا)، في مرحلة الانتداب الفرنسي، تم العمل على مشروع دستور عبر الجمعية التأسيسية عام 1928 وكان مكوناً من 115 مادة. لكن ماطلت السلطة الفرنسية في إصداره، بغرض شطب مواد تتعلق بالسيادة السوريّة. وقام المندوب السامي الفرنسي بإضافة المادة رقم 116 التي منحته سلطة تعطيل الدستور.
  • في عهد الاستقلال وبعده تم شطب المادة 116 السابقة وبدأ العمل حسب التعديل في 17 نيسان 1946. وفي عهد انقلاب حسني الزعيم والذي بدأ في 30 آذار 1949، قام بحل البرلمان، وإقالة الحكومة، وتعطيل الدستور، وبمحاولة غير ناجحة لإصدار دستورٍ جديد. كما تعطلت الحياة الدستورية في عهد انقلاب الزعيم سامي الحناوي الذي امتد من 14/8/1949 لغاية 19 /12/1949. وبعد أن قام العقيد أديب الشيشكلي بانقلابه الأول، عادت الحياة البرلمانية، وتم تشكيل حكومةٍ دستوريةٍ، وانتخاب الجمعية التأسيسية، وإعداد مشروع دستور جديد لسوريا.
  • دستور 1950 الذي أصبح معمولا به منذ 5/9/1950 وكان مكوناً من 166 مادة.
  • تعطيل العمل بدستور 1950 بعد الانقلاب الثاني للعقيد أديب الشيشكلي من 1951-1954. والعمل على إصدار الدستور السوري في 11/7/1953، والمكون من 129 مادة، واستمر العمل به حتى انتهاء فترة حكم الشيشكلي السابقة.
  • بعد انتهاء فترة حكم الشيشكلي تمت العودة لدستور 1950، وتمت إعادة البرلمان (الجمعية التأسيسية) المنتخب لإكمال دورته واستمر العمل به حتى قيام الوحدة بين سوريا ومصر.
  • دستور الجمهورية العربية المتحدة والذي بدأ العمل به منذ 22/2/1958 ولغاية 28/7/1961، وقد تضمن 73 مادة فقط.
  • الدستور المؤقت الذي صدر بعد فصم عرى الوحدة، في 28/9/1961.
  • دستور الجمهورية العربية السورية الصادر في 13/9/1962 والمكون من 166 مادة، بقي معمولاً به حتى 8/3/1963.
  • الدستور المؤقت بتاريخ 25/4/1964 المكون من 82 مادة، والذي بقي معمولاً به حتى قيام حركة 23/2/1966.
  • وبعدها صدر دستور مؤقت آخر بتاريخ 1/5/1969 مكون من 80 مادة. وبتاريخ 1 أيلول من العام نفسه كان مشروع دستور (اتحاد الجمهوريات العربية)، بين مصر وسورية وليبيا، وكان مكوناً من 71 مادة، لكن لم يتم العمل وفقه.
  • وبعد قيام الحركة التي سميت تصحيحية في 16/11/1970 صدر دستور مؤقت في 16/2/1971 وتضمن 82 مادة.
  • وبتاريخ 13/3/1973 صدر الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية بعد تشكيل لجنة لإعداده. وبقي معمولاً به مدة أربعين عاماً تقريباً، حيث جرت عليه فقط ثلاثة تعديلات وهي:
  • تم تعديل المادة السادسة منه في 19/3/1980، والتي تتعلق بعلم الجمهورية العربية السورية الحالي. حيث تخلت عن علم اتحاد الجمهوريات العربية (مصر وسوريا وليبيا) السابق، وتم اعتماد العلم الحالي.
  • تعديل المادة رقم 84 في 3/7/1991، والتي تنص على تعديل مدة انتخاب رئيس الجمهورية.
  • تعديل المادة رقم 83 في 11/6/2000، والتي تنص على تخفيض سن الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية من أربعين سنة إلى 34 سنة.

دستور 2012 وهو الرابع عشر من الدساتير السورية

صدر القرار الجمهوري رقم 33 تاريخ 15/10/2011، ونص على تشكيل اللجنة الوطنية لإعداد مشروع الدستور. برئاسة المحامي الأستاذ مظهر العنبري، والمكونة من 27 شخصية على مستوى سوريا. أغلبهم كان بلجنة الدستور السابق لعام 1973. وكان الاستفتاء عليه بتاريخ 26/2/2012، حيث كانت نسبة الموافقة عليه 89,4، واعتبر نافذاً منذ 27/2/2012 بعد نشره في الجريدة الرسمية.

بعد كل هذه السنوات التي مرت على تاريخ سوريا الحديث، يبقى وضع الدساتير بحاجةٍ دائمة إلى التعديل، حسب الظروف السياسية المعقدة التي تعيشها سوريا. ولا بد من ذكر القرار الأممي الذي شكل اللجنة الدستورية، التي اجتمعت في جنيف. ولم يتم التوافق بين مكوناتها الثلاثة، حيث العراقيل والمماطلة. وكلنا أمل في أن ينبثق النور لمستقبل سوريا المشرق، ولنكون أوفياءً لرجالات سوريا السابقين، والذين سماهم الدكتور الحقوقي إبراهيم دراجي “الآباء الدستوريون”. كل التحية لهم لما تركوه من إرثٍ حضاريٍّ، ومساهماتٍ قانونية أغنت المنطقة العربية بكاملها.

 

المحامي جمال عامر