حماية الطفل من العنف

تعددت الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنص على حماية الطفل من العنف بكل أشكاله، لكننا إلى اليوم نجد قصوراً في تطبيق هذه القرارات والاتفاقيات، ونلحظ عدم تمتع جميع الأطفال بحقوقهم الأساسية، مما يستدعي العمل حثيثاً لتطبيق هذه الاتفاقيات وضمان حقوق الأطفال.

من الصعب تحديد مفهوم ظاهرة العنف ضد الطفل بدقة، فهو مفهومٌ نسبيٌ ومتغير من زمانٍ لزمان، ومن مكانٍ لآخر، ويتغير بتغير الظروف والأحوال. فكثير من الأفعال كانت يوماً ما مشروعة وبتنا اليوم نرفضها رفضاً قاطعاً، وكثير من العادات والتقاليد المتعلقة بحياة الناس ومعيشتهم كانت مبررةً، لكننا ننظر إليها اليوم نظرة المستنكر.. ولكن  العنف يبقى عنفاً، وإن اختلفت رؤيتنا له ومواقفنا منه، وإن اختلفت العصور والظروف. وبكل تأكيد الإنسان العاقل لا يبرر العنف، ولا يوجد ما يبرره لا في القيم الإنسانية النبيلة ولا في المبادئ العامة للحياة الطبيعية.

فكلمة العنف violence لاتينية الأصل، وتعني حمل القوة أو تعمد ممارستها تجاه شخص ما أو شيء ما. واصطلاحاً مفهوم العنف يعني كل فعل يجسد القوة المادية أو المعنوية يُمارَس من جماعةٍ أو فرد ضد فردٍ أو أفراد آخرين قولاً أو فعلاً.

العنف ضد الطفل

العنف ضد الطفل هو أي فعل أو تهديد بفعل، يؤدي إلى إحداث أذى جسدي أو نفسي أو جنسي، أو يحد من حرية الطفل لمجرد أنه طفل. وظاهرة الاعتداء على الأطفال ظاهرة قديمة. وقد كانت مقبولة من بعض المجتمعات، مثل رمي الأطفال في الأنهار، أو تركهم على رؤوس الجبال كغذاء للطيور والوحوش والحيوانات المفترسة.

وفي المجتمع الإغريقي الإجهاض ليس جريمة بل وسيلةً مشروعة لتحقيق التوازن في نسبة المواليد، والرومان لا يعاقبون على الإجهاض إذا تم بموافقة الوالدين. وفي المجتمع الروماني والمجتمع اليوناني الأطفال كالأشياء يدخلون في ملكية أسرهم ومنها أن الوالد يملك سطلة بيع أطفاله أو تقديمهم للموت.

يرى الفيلسوف اليوناني أرسطو أن عدالة السيد أو الأب مسألة مختلفة عن عدالة المواطن. لأن الابن أو العبد ملك لسيده وليس ثمة إجحاف في أن يتصرف المرء في ملكه، لذلك شاع قتل الأطفال وتم اعتباره عملاً مشروعاً. فقد يتم قتل الطفل بسبب الوضع الاقتصادي “الفقر” وتحديد حجم الأسرة، إضافة إلى قتل الطفلات الفتيات المرتكز على التمييز بين الذكر والأنثى.

يتم تقديم الأطفال كأضحيات  وقرابين للآلهة بسبب معتقداتٍ وطقوس معينة، وهذه ظاهرةٌ شائعة عند المصريين القدماء والفينيقيين والصينيين والهنود.

العنف ضد الطفل عند حمورابي 

رغم هذه الصورة القاتمة للعصور القديمة كانت شريعة حمورابي “1792-1750 ق.م” قد أقرت قواعد حقوق الإنسان للجميع ومنهم الأطفال، وتضمنت شريعته قوانين وقواعد الحماية المتعقلة بالأطفال، فنجد مثلاً في المادة 14 منها عقوبة الإعدام بحق سارقي الأطفال.

وشملت المواد “129، 130، 137، 138، 177، 209، 210” نصوصاً متعلقة بالطفل والمرأة كنص إثبات نسب الولد، ومنع العلاقات غير الشرعية، وعقوبة القتل بحق الرجل إذا اغتصب امرأة. وحق الزوجة إذا طلقها زوجها وكان لديها أولاد بنصف ما يملك. وأوكل للقضاء تولي حماية الأطفال اليتامى وتنظيم حياتهم، كما نصت الشريعة على العقاب على الإجهاض واعتبرته محرماً.

اتفاقيات حقوق الطفل

أما في التاريخ الحديث والمعاصر، توجت الأفكار والمفاهيم والقوانين بوثائق واتفاقات دولية لحماية الطفل وحقوقه، وكل ما يتعلق بسلامته وضمان حياة كريمة وسعيدة له.

ومنها إعلان جنيف لحقوق الطفل الصادر عام 1942 الذي يستند لمبادئ خمسة أساسية هي:

  1. يجب أن يكون الطفل في وضع يمكنه من النمو بشكل عادي من الناحيتين المادية والروحية.
  2.  يجب أن نطعم الطفل الجائع، ونعالج المريض، ونشجع المتخلف، ونعيد المنحرف للطريق الصحيح، ويجب إيواء وإنقاذ اليتيم والمهجر.
  3. يجب أن يكون الطفل أول من يتلقى العون في أوقات الشدة.
  4. يجب أن يكون الطفل في وضع يمكنه من كسب عيشه وأن تتم حمايته من الاستغلال.
  5. يجب أن تتم تربية الطفل في جو يجعله يحس بأن أحسن صفاته هي خدمة أخوته.

وإعلان الأمم المتحدة عام 1959 م الذي تضمن مبادئ عامة تتعلق بسلامة الطفل وصحته وحياته ومستقبله، ومحاربة العنف ضده. ثم اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1989 التي تتضمن عدة قيم ومبادئ بحقوق الطفل. ثم البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال أو استغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية عام 2000. والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة عام 2000. واتفاقية منظمة العمل الدولية التي تأسست عام 1919، وأصبحت في عام 1946م أول وكالة متخصصة لدى الأمم المتحدة. وقد وضعت هذه المنظمة اتفاقيتين دوليتين هامتين بشأن عمالة الأطفال هما:

  1. السن الأدنى للاستخدام عام 1973م.
  2. اتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها عام 1999م.

كما أصدرت الأمم المتحدة قواعد الأمم المتحدة لحماية الأحداث عام 1990.

وعلى اختلاف تطبيقات كل هذه القرارات والاتفاقيات، فلا زال الأطفال في كثير من المناطق والبلدان لا يتمتعون بحقوقهم ولا ينعمون بطفولتهم. مما يرتب على عاتق منظمات المجتمع المدني والناشطين/ات والمعنيين/ات، بألا يألوا جهداً في سبيل تطبيق هذه الاتفاقيات، والحرص على حصول الأطفال على بيئة آمنة وصحية وخالية من العنف والاضطهاد. 

سليمان الكفيري