آليات حل النزاعات مجتمعياً في درعا جنوب سوريا

مما لا شك فيه أن المجتمع السوري عانى الكثير من المشكلات الاجتماعية، التي جعلته يعيش في حالة فوضى في ظل ضعف حضور القوى الضبطية للدولة والقانون والقضاء، وهذا ما جعل دور القيادات المجتمعية المختلفة يبرز في إدارة زمام أمور المجتمع  عبر أدوات وديناميكيات مجتمعية متوارثة. مما سمح لهذه القيادات أن تأخذ مكانةً اجتماعيةً وسياسيةً في حل وفض النزاعات التي تحدث بين أفراد المجتمع، ومنها آليات حل النزاعات مجتمعياً في درعا جنوب سوريا، وهي معترف عليها ومقرة وموثقة عبر العادات والتقاليد.

الصلح العشائري

يعتبر الصلح العشائري في الأعراف العشائرية سيد الأحكام، وهو من أهم الإجراءات العشائرية في إنهاء الخصام، وإزالة ما علق في النفوس من الآثار النفسية للخصومة، وفتح المجال أمام استئناف علاقاتٍ تقوم على أسس جديدة من التسامح والود والوئام وتحقيق العدالة الاجتماعية. لذلك يعتبر الصلح العشائري في درعا أحد أهم أدوات القيادات المجتمعية في حل النزاعات الذي يتم عن طريق الوساطة والإصلاح وهو أسلوبٌ معتمدٌ بين العشائر يرتكز على أسسٍ ونظم وقواعد متوارثة جيلاً بعد جيل لفض النزاعات وحل الخلافات وما يرتبط به من عادات وتقاليد وأعراف، يعتمد على قوة العشيرة والعزة والمصالح المشتركة، وهو عقد ملزم بين الطرفين لا يجوز الرجوع عنه وتسقط به دعوى المدعي.
أما إجراءات الصلح العشائري فهي كالتالي:

الاتصالات الأولية تبدأ عن طريق وسطاء بإعطاء ما يسمى عرفاً (بالعطوة ) وهي مهلة زمنية يتعهد بها طرفي النزاع بعدم التعرض للآخر إلى حين الانتهاء من القضية المطروحة، بعد أخذ العطوة يبدأ الوسطاء بتشكيل لجنةٍ من وجهاء العشائر لإتمام إجراءات الصلح ثم يتم أخذ موعد مع عشيرة المجني عليه أو المدعي للاستماع لمطالبهم والإحاطة بكامل تفاصيل القضية.

ليتم التوجه لجهة المدعى عليه لسماع رأيه، والجدير بالذكر أن كلاً من المدعي والمدعي عليه يقومون بجمع وجهاء عشيرتهم لاستقبال الجاهة المشكّلة بعد ذلك يكون هنالك اجتماع بين أعضاء الجاهة وغالباً ما يكون في منزل رئيس الجاهة يتشاورون في القضية ويتناقشون في جميع الاحتمالات، ثم بعد التشاور على آلية الصلح يتم التواصل مع طرفي النزاع لتحديد يومٍ يجتمع فيه جميع الأطراف ويتم دعوة عددٍ كبيرٍ من الناس من الوجهاء والعوام وأقارب الطرفين.

ويبدأ بعد الاجتماع رئيس الجاهة بالكلام عن القضية وظروفها وعن حق المجنى عليه، ثم يتكلم عن فضل المسامحة وإسقاط الحق، ويتكلم عما تم التوصل إليه لحل الخلاف، ثم يقوم مسؤول عشيرة المجني عليه بالتحدث عن حق المجني عليه ويقوم مسؤول عشيرة الجاني بالتحدث عن خطأ الجاني، ويطلب الصلح مع المجني عليه ويتم عرض ما تم الاتفاق عليه بين الوجهاء وأطراف النزاع وبعد ذلك يتم عقد ما يسمى (بالراية) وهي رايةٌ بيضاء يعقدها كل الأطراف بما فيهم رئيس الجاهة وهي تدل على السلم وانتهاء النزاع وانتهاء العطوة بين الأطراف ويتم التوقيع على صك الصلح مع تعهد كفلاء من الطرفين بإتمام شروط الصلح.

التحكيم الديني أو الشرعي

التحكيم الديني في درعا انتشر بشكلٍ كبيرٍ بعد عام /2011 / بسبب غياب سلطة الدولة إذ يعتبر طريقة بديلة عن قضاء الدولة وهو أحد وسائل حسم النزاعات وغالباً ما يكون قضايا القتل والاعتداء الجسدي والقضايا المالية والخلافات العائلية ومسائل الطلاق والزواج.

آلية التحكيم الديني أو ما يسمى بالتحكيم الشرعي:

-وعقب تدخل الوجهاء لحل النزاع بين الأطراف يتفق الأطراف على أن يكون حل النزاع عن طريق التحكيم الشرعي ويقصد بالتحكيم الشرعي أن يكون الحكم موافقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية وبالتالي يتم اختيار أشخاصٍ من رجال الدين لهذا التحكيم ويشترط في التحكيم الشرعي رضى الطرفين به وهذا ما يتم التوافق عليه غالباً.

بعد التوافق على التحكيم الشرعي يقوم كل طرفٍ من أطراف النزاع باختيار شخصية دينية -غالب الشخصيات الدينية التي يتم اختيارها من خريجي كلية الشريعة أو المعاهد الشرعية- ممثلاً عنهم في هذا النزاع والوجهاء يقومون باختيار شخصيةٍ دينيةٍ ممثلةٍ عنهم ليكون مرجحاً بين الطرفين عند اختلافهم. ويمكن أن تكون اللجنة أكثر من ثلاثة أشخاص، وأي شخصية يتم اختيارها للتحكيم يتم عرض الأمر عليها للحصول على  الموافقة قبل البدء بالقضية، وغالباً ما يكون هؤلاء الاشخاص من خارج العشيرتين حتى لا يكون هناك انحياز من قبلهم لعشيرتهم.

ومع موافقة رجال الدين على التحكيم يتم التنسيق بينهم عن طريق الوجهاء، والاجتماع مع الوجهاء للبدء بالعمل. بعد ذلك تبدأ هيئة التحكيم عملها بالاستماع للأطراف، ومن ثم التشاور فيما بينها لإصدار حكمٍ في القضية. وغالباً ما يكون في الأحكام مراعاةٌ للأعراف والتقاليد التي لا تخالف الشريعة الإسلامية.
بعد الاتفاق على الحكم يتم تبليغ الوجهاء والوسطاء أن الحكم جاهز، ويقوم الوجهاء بعد ذلك بإبلاغ أطراف النزاع وتحديد يوم للاجتماع مع هيئة التحكيم لتبليغهم الحكم وشرح أسباب الوصول لهذا الحكم وغالباً ما تقبل الأطراف بالحكم وأحياناً يتم رفض الحكم من قبل أحد الأطراف او كليهما فيما يسمى (الطعن بالحكم)، وعليه فيتم بعد ذلك رفع القضية للجنةٍ أخرى للنظر في هذا الطعن وغالباً ما تتشكل هذه اللجنة من قبل الوجهاء ويتم التوافق عليها من قبل الأطراف إلا أن حكم لجنة الطعن حكم مبرم لا يجوز الاعتراض عليه.

يمكن اعتبار التحكيم الديني من أهم أدوات حل النزاعات ففي عام 2020 حصل نزاع في بلدة الجيزة شرقي درعا بين عائلة السويدان وعائلة الخطيب أدى لمقتل شاب من آل السويدان وبعد تدخل الوجهاء بين العائلتين تم الاتفاق على التحكيم الديني وتم ترشيح مجموعة من المشايخ من كلا الطرفين لهذه المهمة وكان من بينهم الشيخ سعيد المقداد والشيخ محمد صالح الزعبي والشيخ زهير المفعلاني، وبعد التحقيق في القضية أصدرت لجنة التحكيم الديني قراراً يتحمل فيه الخطيب دية المقتول من آل سويدان كون القتل حصل عن طريق الخطأ وتم تحديد دية وفق الشريعة الإسلامية وهي 18 ألف دولار وهي دية القتل الخطأ المتعارف عليه في درعا وتم الصلح بين الطرفين بناء على هذا الحكم وتم نشر ذلك عل وسائل التواصل الاجتماعي حينها.

الوساطة

تعتبر الوساطة مرحلة من مراحل حل القضية موضوع النزاع، وتقوم على عملية تدخل في نزاع يقبل الأطراف أن يقوم بها طرف ثالث “الوسيط “. وذلك بهدف مساعدة الأطراف بطريقة تطوعية في الوصول لاتفاق يكون مقبولاً من كل الأطراف. وهي طريقة وأداة متبعة بشكلٍ كبيرٍ في درعا وغالباً ما يتدخل الوسيط بطلبٍ من أطراف النزاع أو من أحدهم كما يمكن أن يتدخل الوسيط من تلقاء نفسه من أجل الإشراف على عملية حل النزاع، وليس للوسيط سلطة اتخاذ القرار وهذا ما يميزه عن دور المحكم أو القاضي ويشترط في الوسيط أن يكون محايداً وأن يتمتع بعدة صفات مثل:

-الإنصات الجيد.
-أن يكون مزكّى.
-قدرته على التأثير.
-يفضل أن يكون من عشيرة لا علاقة لها بأحد أطراف النزاع.
وللوسيط الكثير من الأدوار التي يقوم بها مثل:

-فتح قنوات اتصال بين الأطراف المتنازعة.
-تقديم حلول للمشكلة ومساعدة الأطراف للوصول لحل يرضيهم.
-منح الأطراف فرصة لرؤية المشكلة من زوايا جديدة لكي يتمكنوا من فهم احتياجاتهم واحتياجات الطرف الآخر.
-يوفر للأطراف بيئة آمنة لمناقشة نزاعاتهم وخلافاتهم في خصوصيةٍ كاملة.
-يساهم في تحديد نقاط الخلاف بين الأطراف والتركيز في العمل على تسويتها.
-يساهم في التوصل إلى تسوية مرضية لجميع الأطراف.
أما مميزات الوساطة:
في الغالب ينتج عنها التوصل إلى أفضل حل يرضي جميع الأطراف دون التحيز لطرف بعينه.

التفاوض

هو عملية اتصال بين شخصين أو أكثر يدرسون فيها البدائل المختلفة للتوصل لحلولٍ مقبولةٍ بين أطراف النزاع. ويتم ترشيح هؤلاء الأشخاص من قبل أطراف النزاع، وفي الغالب هم ليسوا من أطراف النزاع، وليست لهم علاقة مباشرة بالمشكلة. ويعتمد مبدأ التفاوض في الغالب على تقديم حلولٍ مرضيةٍ لجميع الأطراف بالإضافة لتقديم بعض التنازلات وإيجاد أرضية مشتركة.

في الغالب يتم اختيار أشخاص لهم قدرة على الإقناع وتحصيل مكاسب ويتمتع بالمرونة والحركة وهدوء الأعصاب بالإضافة لقناعته بعدالة القضية التي يفاوض من أجلها قد يكون من الوجهاء أو المثقفين أو رجال الدين.

في الغالب يشرف الوجهاء على عملية التفاوض أو يتم اختيار أشخاصٍ من قبل الأطراف المتنازعة للإشراف على عملية التفاوض.

استخدم أسلوب التفاوض كثيراً في النزاعات بين الجارتين درعا والسويداء على إثر عمليات الخطف المتبادل أو السلب حيث يتم اختيار شخصيات من كلا المحافظتين للتفاوض على إطلاق سراح المخطوفين والتواصل مع الخاطفين.

ويشترط في المفاوض أن يمتلك المعلومات الخاصة بتلك المشكلة من أجل ترتيب أولويات التفاوض وتحديد بدائل الحلول المقترحة.

ولابد من توفر بعض الشروط لعملية التفاوض:

1-أن يكون طرفان أو أكثر في عملية التفاوض.

2-يوجد اختلاف بين الطرفين في الأهداف الموضوعة للتفاوض عليها.

3-ضرورة معرفة الطرفين بالهدف من عملية التفاوض وهو التسوية والحصول على نتيجة مرضية للطرفين.
4-الابتعاد عن العواطف.

أما مجالات استخدام أداة التفاوض لحل النزاعات فهي كثيرة:

-في الخلافات الأسرية.

-النزاعات العشائرية.
-في الخلافات التجارية والمالية.
أما مراحل التفاوض فهي كالتالي:
1-مرحلة الإعداد والتهيئة للتفاوض.
2-مرحلة إجراء المفاوضات.
3-مرحلة إبرام الاتفاق.
4-مرحلة تنفيذ الاتفاق.
5-مرحلة تقويم التفاوض.
يمكن القول: إن التفاوض وسيلة مهمة في حل النزاعات ولها أسس ومعايير لابد من الالتزام بها حتى الوصول لنتائج مرضية لكل الأطراف.

المصدر: “القوى المؤثرة في المنطقة الجنوبية السورية ودورها في السلم الأهلي (ديناميكياتها وأدواتها)”