تتركز البنية المجتمعية ضمن الهياكل الاجتماعية في السويداء، وعماد هذه البنية يرتكز على روابط الدم والمكانة الاجتماعية للعائلات، استناداً لتاريخها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي واحترام إرثها. وهذا لا يمنع بروز شخصياتٍ على مستوى المجتمع، إما لعوامل معرفية أو اقتصادية أو نفوذ سلطوي، أو تحقيق تميز على المستوى العسكري. في مجتمع له هذه الخصائص، لا يقاس الوضع بالمال أو بالتأثير في الصناعة، ولكن بالقضايا المتعلقة بالأخلاق والنسب.
البنية المجتمعية التقليدية
تقوم البنية المجتمعية للموحدين الدروز في السويداء على أسس رابطة الدم واحترام الإرث والسلف. ويشد الروابط بين أفراد المجتمع لبوس عقائدي أغلق الطوق على هذا المكون وخاصة مسألة عدم السماح بالزواج من خارج المكون، الأمر الذي عمق صلات الدم والنسب، وعزز مكانة الأسرة والعائلة، حيث يقوم المجتمع على تراتبية محددة، تعتمد احترام الكبير وخاصة الذكور فيه.
وينقسم المجتمع إلى فئتين فئة شاعت تسميتها “الجسمانية”، وهي الفئة غير الملتزمة بالهيئة الدينية، وفئة المشايخ وهي الفئة الملتزمة بالمسلك الديني ولها لباس محدد. وفي كلا الجانبين هرمية للقيادة، فالفئة الأولى نجد بها كبير الجب أو الفخذ وكبير العائلة ووجيهها، وقد لا يكون متديناً. كما نجد في الجبل قيادات معروفة بالقيادات الزمنية الجسمانية، وهو مؤشر على عدم التزامها بالمسلك الديني، وترتبط بأسر توارثت هذه المكانة الاجتماعية والألقاب.
وبقي من تلك الزعامات التقليدية اليوم وجيهٌ من آل الأطرش يحمل لقب أمير، مقر إقامته بلدة عرى بالريف الغربي الجنوبي من محافظة السويداء. وهذه الأسرة كانت الأوزن تاريخياً، وتعتبر عرى المقر الرئيسي لها. كما تحمل دارة أل الأطرش المقيمين في مدينة السويداء لقب باشا، وهي فاعلة في الشأن المحلي. ورغم إقامة من يحمل لقب باشا في لبنان، يعتبر حسن الأطرش أحد أبناء عمومته من المتنفذين، وهو أحد أعضاء قيادة فرع حزب البعث في السويداء، ومرتبط بالسلطة الحاكمة.
كما يحتفظ آل عامر في مدينة شهبا بلقب أمير، ليكون كبير وجهاء الريف الشمالي للمحافظة. في وقت استمر توارث لقب باشا في آل هنيدي ومقرهم في مجدل الهنيدات، وفي آل الحلبي ومقرهم بلدة الثعلة في الريف الغربي للمحافظة. ويشكل هؤلاء حاملاً مجتمعياً إلى جانب كبار العائلات، حيث يوجد لكل عائلة كبيرٌ أو وجيهٌ له احترامه وتقديره في عائلته وبلدته، يرتبطون بشبكة علاقات تسمح لهم بالتدخل في حل المشكلات.
المجتمع الديني
كما يتميز المجتمع الديني ببنية أكثر صلابةً، يتربع على رأس هرمه مشايخ العقل الثلاثة، وهم مقسمون إلى شيخ عقل من آل الهجري، مقره بلدة قنوات، ونفوذهم الأقوى في القسم الشمالي من المحافظة. وشيخ عقل من آل جربوع، مقره مدينة السويداء، ونفوذهم الأقوى في مدينة السويداء والقطاع الأوسط. وشيخ عقل من آل الحناوي، ونفوذه في الريف الجنوبي. كما أن هناك في كل مدينة وبلدة رجل دين يسمى السايس، تكون إلى جانبه لجنة إدارة الوقف، ويكون ذا وزنٍ دينيٍ واجتماعيٍ. وغالباً ما يكون المنصب الديني متوارثاً. علماً أن أوقاف الموحدين غير مركزية، لكن تبقى شرعية السايس ولجنة الوقف ممتدة من قبول المجتمع المحلي، ومباركة مشايخ العقل مجتمعين أو متفرقين.
يشار إلى أن كلاً من الوجهاء والمشايخ يتشاركون العمل في القضايا المجتمعية، ويساهمون في حل النزاعات، ويشكلون الكتلة الأوزن في تمثيل الموحدين الدروز أمام السلطة والجهات الأجنبية المتدخلة في الشأن السوري.
كما تقوم البنية المجتمعية للمكون البدوي على أساس عشائري، حيث يوجد للعشائر مشايخ معروفين يمثلونهم اجتماعياً وحتى أمام السلطة والقوى الأجنبية. وضمن كل عشيرة هناك أفخاذ لها وجيه يرث هذه المكانة بشكلٍ تاريخي، ويشكلون مع مشايخ العشائر شبكةً اجتماعيةً للتدخل في القضايا الاجتماعية وتمثيل عشائرهم.
أما المكون المسيحي فتغلب على تكوينه الاجتماعي العلاقات العائلية، ويمثل الأكبر سناً والأكثر نفوذاً وتعليماً، ووضعاً اقتصادياً جيداً ملجأً للعائلة، ولكن تعتبر الكنيسة على اختلاف تابعيتها، وبمن يمثلها من رجال الدين، حاضرة بشكل أكبر في تمثيل هذا المكون المقسم إلى عدة كنائس.
ويشكل المشايخ والوجهاء طبقةً اجتماعية تمتد بينها روابط وعلاقاتٍ، تجعلهم يمثلون حاملاً اجتماعياً رئيسياً في ظل فشل بناء الدولة المدنية الحديثة. وبالرغم من أن هذه الطبقة ليست بعيدةً عن آثار النزاعات والأمراض الاجتماعية، فتجد في داخلها مقسماتٍ تعتمد على نزاعات التمثيل، والظهور، والمظلوميات التمثيلية، في ظل غياب المواطنة وسيادة القانون والمشاركة السياسية، والاعتماد على توزيع السلطة لحصص التمثيل، والتي يبدو أنها تعمل بشكل واضح على زيادة الشروخ والتقسيم بين مكونات المجتمع، جراء عدم عدالة التمثيل. وبالمقابل هناك معززات لهذه الشبكة أبرزها الحفاظ على الدور الاجتماعي.
المصدر: “القوى المؤثرة في المنطقة الجنوبية السورية ودورها في السلم الأهلي (ديناميكياتها وأدواتها)”
فريق التحرير