آليات تقليدية للحفاظ على السلام والتماسك المجتمعي في السويداء 1

يعتمد المجتمع في السويداء على آليات تقليدية خاصة للحفاظ على السلام والتماسك المجتمعي، حيث تبرز تلك الآليات في أوقات الأزمات، وتتراجع في أوقات الاستقرار عندما يأخذ القانون والقضاء دورهم بشكل كامل

يعتمد المجتمع في السويداء على آليات تقليدية خاصة للحفاظ على السلام والتماسك المجتمعي. حيث تبرز تلك الآليات في أوقات الأزمات، وتتراجع في أوقات الاستقرار عندما يأخذ القانون والقضاء دورهم بشكل كامل. وتمتلك تلك الآليات عبر التراكم التاريخي ديناميكيات خاصة عبر أدوار لعبتها القيادات المجتمعية التقليدية ذات الحيثية.    

مما لا شك فيه أن المجتمع السوري عانى كثيراً من المشاكل الاجتماعية، جعلته يعيش في حالة فوضى في ظل غياب القوى الضابطية للدولة، وضعف القانون والقضاء. وهذا ما جعل القياداتِ المجتمعيةَ المختلفة، تمسك زمام أمور المجتمع بكل جوانبه. وسمح لها أن تأخذ مكانةً اجتماعيةً وسياسيةً، في حل وفض النزاعات التي تحدث بين أفراد المجتمع. وسوف نستعرض كلاً من الأدوار والأدوات والديناميكيات الخاصة بالقيادات المجتمعية التقليدية في كل من السويداء ودرعا لتبيان أوجه التقاطع.

ويعتبر التاريخ المشترك في السويداء والمنطقة الجنوبية، هو الحامل الذي يبني عليه الزعماء خطابهم في عملية التدخل. فنجدهم يلجؤون للاستعانة باستجلاب قصص تاريخ تخص عائلات الأطراف المتنازعة. إن كانت من داخل المكون الواحد والتي تربطهم ببعضهم علاقات قربى أو نسب، أو من مكونات مختلفة. والتعويل على القيم والأخلاقيات التي يعتد بها أفراد المجتمع من الشهامة والكرم والتسامح وإغاثة الملهوف وعدم رد الضيف. وتستخدم القيادات المجتمعية عدداً من الأدوات والاستراتيجيات في حل النزاعات المحلية.

الوساطة المجتمعية

الوساطة من أقدم آليات حل النزاعات في المجتمعات العشائرية، وتقوم على تدخل طرف ثالث يعرف بالوسيط، شريطة أن يكون متوافقاً عليه من جميع أطراف النزاع.

تقوم القيادات المجتمعية بالتطوع للقيام بالوساطة، باستخدام ثقلها الاجتماعي وسمعتها الحسنة. وذلك لخلق اتفاقٍ يساهم في ردم الهوة بين الأطراف. ومن أسباب التزايد على طلب الوساطة المحلية اليوم في مجتمع السويداء، غياب السلطة وغياب القانون واستسهال اللجوء إلى العنف. كما أن الروابط العائلية المتينة ضمن الطائفة الدرزية تدفع بالعائلات لاستخدام الوساطة لحل النزاع قبل أن يتطور للعنف.

الصلح (عقدة الراية)

الصلح أو عقدة الراية، حسب المصطلح الشعبي للكلمة، هو عقد يتفق به الطرفان بإرادتهما الحرة على عدم ثأر عائلة المجني عليه من الجاني أو عائلته. وتكون الواسطة بمثابة تكريم اجتماعي لعائلة المجني عليه، وقد تنص على بعض الالتزامات التي يقدمها الجاني وعائلته. مثل أن يجلي الفاعل عن البلد إن كانا من نفس البلد، أو يدفع مبلغاً مالياً كتعويض يسمى “مؤدة“. وبالمقابل قد تقوم عائلة المجني عليه بالتنازل عن العقوبة القانونية كلها، أو بعضها، أي إسقاط أصحاب الحق حقهم، وهي تحصل في حالات القتل أو حوادث السير. من أجل حقن الدماء بين أفراد المجتمع. وتتلخص برفع راية بيضاء دلالة على الجنوح إلى السلم، وعرضها على عائلة القتيل، ليقوموا بعمل عقدة فيها كناية عن قبولهم بالصلح والتعهد بعدم الثأر. ويتم ذلك بحضور عددٍ كبيرٍ من الناس ووجهاء العائلات الكبرى، وعادة ما يتم تكليف شخصيةٍ اجتماعيةٍ أو دينيةٍ مرموقة، لتكون بمثابة الضامن لهذا الاتفاق. 

تزداد الدقة في تنفيذ الخطوات المعتمدة عند ما تكون الانتهاكات الحاصلة تتعلق بالدم أو العرض أو اختراق حرمات البيوت.

آليّة عقد الراية

تكلف عائلة الجاني وجيهاً من القيادات المجتمعية التقليدية، أو رجل دين ممن ذكر سابقاً، للتدخل في حل النزاع. فيقوم أولاً بالاتصال بعددٍ من الوجهاء والمشايخ، وخاصةً أن عدد أفراد الواسطة ومكانتهم الاجتماعية لها تأثيرها على قبول الصلح والضغط من أجل الوصول له. ومن ثم الاتصال بالوجهاء ومن تسمع عائلة المجني عليه لرأيهم، ويخبره بأن الجاني وعائلته يضعون أنفسهم تحت الحق، ويطلب منهم أن يحضروا لهم الأجواء لزيارة الواسطة عائلة المجني عليه.

عند الزيارة تبدأ الواسطة بالحديث عن خصال العائلة وتاريخها وتكريمها، وذكر قصص لحوادث مشابهة، ويطلب من العائلة “عطوة”، وهي فترة محددة من الزمن تتعهد العائلة بها بعدم الثأر، لتترك متسعاً من الوقت للواسطة لتقوم بعملية الوساطة والتفاوض. وهنا تبدأ الواسطة بلقاءات واتصالات مكوكية للإحاطة بالحادث وسماع الأطراف ومطالبهم، ومقاربتها مع الأعراف والتقاليد.

وعند الوصول إلى اتفاق، يتم تحديد موعد لتقوم الواسطة وعائلة الجاني بعزاء عائلة المجني عليه، وغالباً ما تتم بما يعرف بالموقف (وهو المكان الذي تقام به مراسم العزاء الخاصة بالرجال). وتبدأ الواسطة بالحديث، ويكون ترتيبهم الأمير فالباشا فشيخ العقل. يدور الحديث حول خصال وكرامات العائلتين ومواقفهم التاريخية وأبرز الشخصيات فيهما، وأهمية الصلح والمسامحة وعلاقات الدم والقربى. ومن ثم يتحدث أحد أفراد عائلة المجني عليه، وغالباً ما يكون وجيه عائلته أو أحد أفراد أسرته، عن تكريم الواسطة وقبول وساطتها وقبول الصلح. وبعدها تتم دعوة الواسطة وعائلة الجاني لزيارة منزل المجني عليه أو وجيه عائلته، حيث تتم تلاوة وثيقة الصلح المتفق عليها، وتوقع من قبل طرفي النزاع ومن يتواجد من القيادات المجتمعية التقليدية من أمراء ومشايخ عقل وباشاوات.      

المصدر: “القوى المؤثرة في المنطقة الجنوبية السورية ودورها في السلم الأهلي (ديناميكياتها وأدواتها)”

فريق التحرير