إدارة المخاطر ليست وسيلةً محصورةً على المؤسسات والمنظمات العامة فقط، ولكن يتم تطبيقها أيضاً على الأنشطة طويلة وقصيرة الأمد. ويجب النظر للفوائد والفرص من إدارة الخطر في علاقتها بأطراف المصلحة المختلفة المتأثرة، وليس فقط في علاقتها بنشاط المؤسسة.
ومن خلال العمل ضمن بيئة صراعٍ مضطربةٍ مثل البيئة السورية، يتبين وبشكلٍ قطعيٍ أن الإدارة الجيدة للمخاطر، ودارستها، تحقق مخرجاتٍ ونتائج إيجابية. تنعكس قيمتها على الفرد والمجتمع، وتعزز من قدرة منظمات المجتمع المدني على تنفيذ مشاريعها وأنشطتها، بشكلٍ يتوافق ويتناسب مع بيئات العمل المختلفة. ويساهم في استمرارية وديمومة الأنشطة المقدمة من تلك المنظمات، ويجنبها الأضرار السلبية على الأفراد والممتلكات.
الأمن والسلامة
الخطر والمخاطرة: حادثٌ احتماليٌّ غير مؤكد الوقوع، وعند وقوعه تحدث نتائج غير مرغوبةٍ للفرد، أو للمجتمع، أو للاقتصاد، أو لمختلف جوانب الحياة. وقد يكون تأثيره إيجابياً بحيث يشكل فرصاً للبيئة التي حدث فيها. أو سلبياً أو حتى حياديّاً لا يؤثر بشيء.
ولتحديد الخطر لا بد من إجابتنا على مجموعةٍ من الأسئلة هي:
- ما هو الخطر ومتى وأين يقع؟
- وماهي نتائج الخطر والأضرار التي قد يسببها؟
- وماهي الاجراءات التي يمكن بها مواجهة الخطر؟
وللوصول لإدارةٍ سليمةٍ للمخاطر لا بد من ضبط إجراءات الأمن والسلامة لأي منشأة أو منظمة أو قطاع. وهناك فارق بين المفهومين، فالسلامة هي: مجموعة من الإجراءات والقواعد والنظم في إطارٍ تشريعيٍّ تهدف إلى الحفاظ على الإنسان من خطر الإصابة، والحفاظِ على الممتلكات من خطر التلف. أي أنها الإطار التشريعي الذي يضبط عملية تحليل المخاطر.
والأمن: هو مجموعة الممارسات التي تضمن التخلّص من المخاطر التي تهدّد السلامة. والسيطرةَ على المخاطر والتهديدات المتعارف عليها، أو المتوقعة، وتدبيرَها والتخلصَ منها، أو الحد من أثرها، أو تجنبها. مما يضمن حماية الأرواح والممتلكات، ويحافظ على استمرارية العمل وتقديم الخدمات. أي أنّ الأمن هو الأدوات والتطبيق العملي للتشريع الذي تحدده السلامة.
أما الاستراتيجية الأمنية المثالية: فهي مجموعة الإجراءات والسياسات والقواعد والخطط، التي يتم إقرارها بعد تقييم المخاطر وتحليلها. وهي جزء أساسي من الإطار المنطقي للغدارة الأمنية. وتحقق هذه الاستراتيجية ثلاثة أهداف رئيسية وهي حماية الأرواح وحماية الممتلكات واستمرار الأنشطة.
تحديد المخاطر
هو الخطوة الأساسية الأولى للتعرف على المخاطر المحيطة بالعمل. وفي هذه المرحلة يتم التعرف على المخاطر ذات الأهمية. وبناءً على أن المخاطر هي أحداث تسبب مشكلاتٍ، يمكن أن يبدأ التعرف إلى المخاطر من مصدر المشاكل أو من المشكلة بحد ذاتها. وبالتالي يمكن البحث في كل المصادر التي قد تقود لمشكلة ما.
ويمكننا تحديد المخاطر اعتماداً على عدد من الطرق:
- تحديد المخاطر بالاعتماد على الأهداف فأي حدث يعرض تحقيق أهداف منظمة أو مؤسسة ما للخطر بشكل كليٍّ أو جزئي يتم اعتباره خطورة.
- تحديد المخاطر بالاعتماد على السيناريو وخلالها يتم خلق سيناريوهات مختلفة قد تكون طرقاً بديلة لتحقيق هدف ما، أو تحليل للتفاعل بين القوى في سوق أو معركة. وبالتالي يعرَّف أي حدث يولد سيناريو مختلفاً عن الذي تم تصوره ويكون غير مرغوب به، على أنه خطورة.
- تحديد المخاطر بالاعتماد على التصنيف وهو تفصيل جميع المصادر المحتملة للمخاطر.
- مراجعة المخاطر الشائعة وهي قائمة المخاطر المحتملة لدى أي مؤسسة أو منظمة في مختلف القطاعات وعلى مختلف الصعد والمستويات (بيئية، اقتصادية، قانونية، ثقافية، اجتماعية، في العمل….).
وللوصول لتحديد دقيق للمخاطر لا بد لنا من:
- دراسة السياق العام والتفصيلي: فالسياق هو البيئة التي تمارس فيها الأنشطة، وما يحيطها من متغيراتٍ وفرص وتهديدات ومختلف الظروف الإيجابية والسلبية. ويجب أن نراعي في دراسة السياق جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية والقانونية والبيئية والتاريخية والدينية والفكرية… وكل ما يمكن أن يؤثر في السياق وعليه. وبهذه الطريقة سيتضح لنا العديد من المخاطر الداخلية والخارجية.
- دراسة الموقع وهذا سيضعنا أمام الصعوبات والمخاطر التي من المكن أن تحدث.
- دراسة الهيكلية الادارية والعمل داخل المؤسسة أو المنظمة.
- دراسة المخاطر الشائعة التي من الممكن أن تحدث.
- دراسة المخاطر المرتبطة بنوعية العمل.
- دراسة بيئة الموقع الجغرافية والأحداث السابقة التي حصلت.
أهداف إدارة المخاطر
- حماية الكوادر البشرية من المخاطر.
- حماية الممتلكات من التلف أو الضرر.
- وضع اجراءات السلامة لمنع حدوث المخاطر أو تقليل أثرها.
- تقليل الخسارة.
- تحليل مكان العمل.
- تقييم إجراءات السلامة المعمول بها وتطويرها.
- تحليل المخاطر الوظيفية ووضع إجراءات السلامة لها.
- الحفاظ على استمرارية العمل والقيام بالأنشطة.
- تقسيم وتصنيف المناطق الخطرة ووضع الإجراءات والإرشادات لها.
أنواع المخاطر
قد تكون المخاطر داخلية من ضمن بيئة العمل، وقد تكون خارجية من البيئة المحيطة. ويمكننا تصنيفها حسب درجة التأثير الذي تسببه إلى:
بسيطة التأثير: وهي تتلاشى ولا تؤثر على سير الأنشطة والمشروع مثل الحرائق البسيطة وعوامل الجو وغلاء الأسعار والأعطال الميكانيكية البسيطة …الخ
مرتفعة التأثير: وهي مخاطر تتطور لتتحول إلى مشكلة لها أبعادها، ويتوجب وضع خطة لإصلاحها سريعاً. مثل القصف المجاور لمشفى أو مركز الصحي والسرقات المتكررة والاختطاف…إلخ.
شديدة التأثير: وهي بنسبة قليلة تتحول إلى أزماتٍ قد تعصف بالمشروع، أو النشاط بالكامل. مثل الاستهداف المباشر لمكاتب المنظمات في البيئة المضطربة بالنزاعات المسلحة أو الاشتباكات النارية…الخ.
تحليل المخاطر
وهو عملية وصف المخاطر وتجزئتها ومعرفة آثارها المحتملة والمعنيين بها والمتأثرين والمؤثرين فيها… وهذا ما يجعلنا نقول إن تحليل المخاطر يهدف إلى:
- عرض الأخطار التي تم تعريفها بأسلوبٍ منهجيٍّ، كأن نستخدم جدولاً لذلك.
- تصنيف الخطر والوقوف على مصادره الاصليّة ومعرفة من هو في نطاق الخطر من بشرٍ، أو حجرٍ أو ممتلكات…
- إعطاء الأولوية للأخطار الرئيسية والتي تحتاج إلى التحليل بطريقة أكثر تفصيلاً اعتماداً على نتائج واحتمالات كل خطرٍ يتضمنها الجدول الذي صنفنا فيه المخاطر.
- تصنيف الأخطار التي تم تعريفها والمصاحبة للأنشطة ولاتخاذ القرارات، إلى أخطار إستراتيجية، وأخطار تكتيكية وتشغيلية.
وأثناء تحليل المخاطر يجب أن نجيب على الأسئلة التالية:
- هل نستطيع إزالة مصادر الخطر والتخلص منها نهائياً؟
- إذا كان لا يمكن التخلص نهائياً من مصدر الخطر، هل يمكن أن نسيطر على الخطر بحيث نستبعد الإصابة والأضرار المحتملة لذلك الخطر؟
وهذا ما يجعلنا نذهب للخطوة التالية وهي تقييم المخاطر لمعرفة بناء الاستراتيجية المناسبة للتعامل معها.
تقييم المخاطر
هو استراتيجية وقائية من المخاطر وكيفية التعامل معها والخروج بأقل الأضرار. وذلك من خلال دراسة ما يمكن أن يسبّبه الضرر للعاملين والممتلكات. وبالتالي يمكن معرفة ما إذا كانت الاحتياطات التي تم اتخاذها كافيةً، أو يجب فعل المزيد لمنع الضرر على الأفراد والممتلكات. وأيضاً تحليل إشارات المخاطر التي من المحتمل أن تحدث بنسبةٍ معقولةٍ. وهو ما يستلزم استخدام المعلومات المتوفرة للخطر أو مصادره وتحليلها بشكلٍ منتظم. بحيث يمكن معرفة مستوى الخطورة وكيفية مواجهتها للتقليل من النتائج السلبية أو الخسائر البشرية أو المادية. وتعتمد عملية تقييم المخاطر على عاملين مهمين وهما:
- احتمالية حدوث الخطر: وهي لا تكون مجرد توقعاتٍ اعتباطيةً أو عشوائية وإنما هي مبنية على أسس علمية، وتجارب واقعية، وسيناريوهاتٍ موثقة وأحداث قد مرت سابقاً. وقصة تاريخية للسياق المراد دراسة تهديداته ومخاطره. ويتم تحديد الاحتمالية بناء على جدول يؤخذ فيه الاحتمال من وجهة نظر المنخرطين أو المعنيين الرئيسين بالمشروع.
- الأثر الناتج عنه: وهو مجموع النتائج والأضرار التي قد تنتج في حال وقع الخطر أو حصل التهديد في السياق الذي تتم دراسته. ويتم في تقييم مخاطر بيئة الصراع للمنظمات الإنسانية على أساس الأضرار البشرية والمادية وبازديادها يرتفع الأثر.
ويكون تقييم مستوى الخطر من خلال جداء قيمة الأثر والاحتمالية. وبناءً على هذه القيمة يتم وضع الإجراءات وتحديد الأنشطة على مستوى المنظمات أو المؤسسات.
وهناك مجموعة من الأولويات التي يجب مراعاتها قبل وأثناء التقييم وهي:
- درجة احتمال حدوث الخطر في ظل الوضع القائم.
- عدد الأفراد الذين من الممكن ان يتعرضوا للخطر.
- شدة الإصابة التي قد يتعرض لها الفرد أثناء حدوث الخطر.
- حجم الضرر الذي من الممكن ان يؤثر على المنشأة والممتلكات.
- المنعكسات المحتملة لتلك الأضرار على الاخرين.
- تكرار الخطر.
خطوات تقييم المخاطر:
- تحديد المخاطر والأشخاص المعرضين له.
- تحديد درجة الخطورة.
- اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة.
- توثيق النتائج.
- المراجعة والتقييم.
تقنيات السيطرة على المخاطر
- التجنب: وهو إيقاف الأنشطة التي تتعرض لتهديدات تؤدي لحدوث خطر على هذه الأنشطة. ويتم اللجوء إلى هذه التقنية عندما تكون الخسائر المتأتية من العملية أعلى من العائد والأضرار الناتجة عن تقديم الخدمة أكبر من الفوائد والأهداف المرجوة.
- النقل أو الإزالة: وهو نقل أثر المخاطرة إلى جهةٍ أو طرفٍ آخر، أو نقل المهمة لطرفٍ ثالث يقوم بتنفيذها. أو الشراكة مع طرفٍ منفذٍ للمشروع أو النشاط، كما يحصل الآن بين المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المحلي السوري. ويتم اللجوء إلى هذه التقنية في حال كان أثر وقوع الحادث مرتفعاً جداً، ولكن الاحتمالية منخفضةٌ كثيراً.
- التقليص أو التقليل: وهو اتخاذ إجراءات وتدابير وتعليمات تؤدي إلى تخفيف المخاطر. ولتحقيق ذلك يجب أن تكون هذه الإجراءات قادرة على خفض احتمالية حدوث الخطر أو تقليل أثره في حال حدوثه أو خفض الاحتمالية والأثر معاً. وتعتبر هذه التقنية من أكثر الوسائل المستخدمة في السيطرة على المخاطر. وخصوصاً في البيئات المضطربة التي تحتاج لاستمرارية الأنشطة الإنسانية.
- القبول أو الرضى: وهو قبول المخاطرة كما هي بنتائجها واحتمالية حدوثها، وفي حال وقوع المخاطرة فإن الأثر منخفضٌ جداً واحتمالية الحدوث منخفضةٌ أو مرتفعة.
بعد تقييم المخاطر واتخاذ القرار بأي استراتيجيةٍ سيتم التعامل معها، يتم توثيق النتائج لهذه الإجراءات التي تم اتخاذها. ولا بد من مراقبة كل التفاصيل والخطوات والإجراءات والتغيرات دوماً، وخلال كل فترة العمل. وذلك لملاحظة التغير في السياق أو ظهور أية أخطار أخرى قد تهدد المنشأة أو المشروع أو الحياة أو الممتلكات، وما إذا كان علينا تغيير استراتيجية الاستجابة للمخاطر بسبب أي تغيير فيها.
خطة الطوارئ ضمن إدارة المخاطر
لا بد من وجود خطة موضوعة في كل مؤسسة ومنظمة ومنشأة لمواجهة أي حدث قد يحدث بناء على كل ما سبق. فخطة الطوارئ: هي مجموعة الإجراءات والتدابير الوقائية، اللازمة لمجابهة أي نوع من المخاطر والتهديدات. ويتم الاتفاق عليها بين كوادر المؤسسة وتكون معروفةً للجميع، ليتمكنوا من تنفيذ كل تفاصيلها. وتتضمن هذه الخطة سلسلةً من المراحل وهي الاستعداد والمواجهة وإعادة التوازن والتقييم.
أهداف خطة الطوارئ:
- وضع وكتابة الدليل الإرشادي العملي.
- تحديد المسؤوليات والواجبات.
- التخطيط المسبق على تنسيق العمال.
- تحضير كافة المعدات والأدوات وأجهزة السلامة.
- بناء وتأهيل وإعداد ما يمكن لمنع أو تقليل أثر وحدة الحوادث.
- وضع خطط تفصيلية لعمليات الإخلاء.
- الاستعداد التام لمواجهة الحوادث المتوقعة.
- وضع البرامج التدريبية للعاملين في المنظمة أو المؤسسة.
- إعداد آلية إدارة ومراقبة خطة الطوارئ المعتمدة.
- التدخل السريع لحماية الأرواح والممتلكات وتجنيبها أي ضرر.
ودوماً علينا الأخذ بعين الاعتبار أنه من الواجب تحسين الإجراءات المعمول بها وتطويرها بناءً على تقييم نتائج تنفيذ هذه الإجراءات في لحظة وقوع الخطر. وتحديثها بما يتوافق مع التوقعات والسيناريوهات المحتملة لتحقيق حمايةٍ أكبر للأفراد والممتلكات.
تابع أيضاً: المخاطر
فريق التحرير